الاثنين، 30 ديسمبر 2013

العالم بوصفه جهاز تليفزيون، والإنسانية بوصفها ممثلين، أكبر أحمد



العالم بوصفه جهاز تليفزيون، والإنسانية بوصفها ممثلين


ذات مرة أشار (كارليل) إلى أن أعظم ثلاثة عناصر في المجتمع الغربى هي: "البارود ـ الطباعة ـ والعقيدة المسيحية البروتستانتية".
وفى عصرنا هذا كان سيضيف عنصراً رابعاً وهو وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
 وسبق وعَرّفنا "ما بعد الحداثة" بوصفها عصر وسائل الإعلام، ولكي نفهم ما بعد الحداثة فمن الضروري أن نفهم وسائل الإعلام.
ووفقاً لهذا التعريف، رُبما يُعتبر التليفزيون أهم أجهزة الإعلام الإلكترونية الحديثة. ومثله في ذلك مثل السينما منذ جيلين، فهو الوسيلة المركزية لأوقاتنا الحالية.
ويُشَكِّل التليفزيون قطيعة جذرية مع الماضي، وذلك حسبما يوضح خبيران في الإعلام (فيسك وهارتلى)*:    "الكلمة المكتوبة ـ وبخاصة المطبوعة ـ تعمل من خلال الاتساق، وكذلك تسمح به، تُطَوِّر القص من السبب إلى الأثر والكونية والتجريد، الوضوح ونغمة الصوت الأحادية.
أما التليفزيون فهو مؤقت، عرضي، متخصص، متعين ودراماتيكي في طبيعته. وتصل معانيه بالتقابلات وتجاور العلامات التي تبدو متناقضة، وكذلك يتسم منطقه بأنه سمعي ومرئي.
وتتابع أعداد ضخمة من المشاهدين؛ في العالم الغربي ؛ التليفزيون بحكم العادة ـ لعدة ساعات يومياً، ويود كثيرون غيرهم القيام بنفس الشيء إذا ما أتيحت لهم الفرصة أو الوقت.
ويعد جهاز التليفزيون بمثابة البؤرة للحياة العائلية، التي تنظم الأسرة تحركاتها من حولها. ورغم وجود بعض الأدلة حول أن الأطفال يشاهدون التليفزيون مشاهدة انتقاديه، فمن الممكن ـ رغم ذلك ـ أن تكون هذه المشاهدة إدمانية، ومن الممكن أن يخلق هذا الجهاز حالات (زومبية Zombies)* بعيون الأطفال وهى معلقة ومحملقة في التليفزيون، وتعاودهم الحياة بشكل دوري بين العروض، وتظهر عليهم أعراض الانسحاب إذا ما توقفوا عن المشاهدة.
ويُدعى أحد أكثر برامج التليفزيون البريطاني شعبية؛ باسم (مدمنو التليفزيون Telly Addicts). ويُظهر هذا البرنامج لنا مدى انتشار المعرفة التليفزيونية بين الجماهير الشعبية.
وفي (شبح سبيلبرج Spielberg's Poltergeist) ابتلع جهاز التليفزيون ـ واقعياً ـ طفلاً ينتمي إلى عائلة أمريكية تنتمي للطبقة المتوسطة وتقطن الضواحي ـ ويمكننا تفسير هذه الحكاية تفسيراً مجازياً كما يلي:  أصبح الجهاز بمثابة شيطان.
وترمز بعض برامج التليفزيون إلى فترة الثمانينيات، ومن بينها برنامج (Spitting image صورة طبق الأصل). وتتسم التعليقات السياسية لهذا البرنامج بالتكلف وبالإثارة الجنسية والعنف الوحشي والهجاء الهمجي، وبالملاحقة السريعة، السخرية من قسوة الصفوة ومن التكلف في الانتخابات.
ويعد هذا التصوير الكاريكاتيري بمثابة كاريكاتير العصر.
وفي ظل وجود برنامج مثل (صورة طبق الأصل) يذوب الواقع والخيال معاً. فبعد رؤية (السيدة تاتشر)، بدقائق، في برنامج "صورة طبق الأصل" تظهر في نشرات التليفزيون الإخبارية، مما يخلق شعوراً بعدم الاتزان فأيهما (السيدة تاتشر) الحقيقية.
ولا يقتصر دور وسائل الإعلام على التشويش، وإنما تستطيع ابتكار شخصياتها الخاصة؛ حاجبة بها الشخصيات الأصلية.
وعلى سبيل المثال، عندما يرى ابني الصغير (السيدة تاتشر) أو سكرتير الخارجية (دوجلاس هيرد) في نشرات الأخبار، يصرخ منادياً  عليً، وأنا في مكتبي: "بابا، تعال، لقد بدأ برنامج  صورة طبق الأصل".
ومثله في ذلك مثل آخرين، لم يعد يستطع تمييز الواقع من الخيال والكاريكاتير من الأصل.
وبلا شك. يجد كثيرون مثل هذه البرامج نوعاً من الدعابة السمجة وفى الحقيقة، يتجاوز غالباً حدود وآداب السلوك واللياقة ليتعدى على الضحية. فلقد أُظْهِرت (السيدة تاتشر) في برنامج (صورة طبق الأصل) وهى تستثير (ريجان) جنسياً وكذلك أُظْهِرت ملكة إنجلترا وهى تجذب أنفها بشكل دائم.
أما "الأمير تشارلز" فقدم كسائق تاكسي يُقَدِّم نصائح لا حاجة لركابه بها بعد كل جملة تبدأ بهذه الكلمات (وشيء آخر And another thing) وفى واحدة من ردود الأفعال العامة القليلة لبرنامج (صورة طبق الأصل) التي يقوم بها أحد الضحايا، قالت (السيدة ميجور، زوج رئيس الوزراء): "إنه برنامج وحشي غير ممتع" وأقرت كذلك بانزعاجها خاصة من الطريقة التي يُقَدِّمون بها العائلة الملكية.
وكان الزواج الملكي بين الأمير تشارلز، والليدي "ديانا سبنسر" في العام 1981 هو ما قُدِّم ورُسِّخَ بوصفه الإعلامي الأعظم وبالفعل شاهده العالم أجمع. وكل ما به من فتنة، ورومانسية، أبهة، وألوان.. أُعِدّت لأجل تقديم مشهد إعلامي متقن.
وبالتبعية سَتُكَررَ الأحداث الإعلامية الكبرى على نفس هذا المنوال، بغض النظر عما إذا كانت تهدف إلى لفت الانتباه لأزمة المجاعات الإفريقية أو الاحتفال بإطلاق سراح مانديلا عام 1990. وتقدم لنا مثل هذه الأشياء ما هو أكثر من المتعة المجردة.
وعلى سبيل المثال، في كأس العالم 1990، بدأ الأمر وكأننا محاصرون في معارك الخلافة، فقد شاهدنا الهجوم والهجوم المضاد، خطط حربية واحتفالات الانتصار، الدموع والنشوة . ورغم أننا شاهدنا الشوفينية الوقحة والعنصرية، شاهدنا كذلك مظاهر الشهامة والنبالة والكياسة.
وبرغم قتامة رؤية المتشائمين، فثمة قيم إيجابية مازالت قادرة على النجاة في أوقاتنا الحالية. وثمة نوع جديد من الملَكية مستمد من وسائل الإعلام. ومثال ذلك قليل من السياسيين ورجال الدين، أو يمكن القول بأن هذه الهالة الملكية تحوز الغموض الذي يحيط بنجوم وسائل الإعلام.
وتُعَبِّر الملَكية التليفزيونية، مثل: "دان رازر Dan Rather" في الولايات المتحدة، و"تيرى ووجان Terry Wogan" في بريطانيا، عن "الأرستقراطية الأعلى" لعصرنا، وتأثيرها على نمط الحياة والجماهير.
ولا يجب أن ننبذ التليفزيون، ببساطة، بوصفه وسطاً للفوضى والتحلل فلقد أسهم بكل سلطاته في زيادة الأموال الموجهة للتبرعات، وانتشار البرامج التعليمية، وإعلامنا بالأحداث العالمية وبأخبار الناس المهمين، كل ذلك خلال إسعاده لنا.
وكانت وسائل الإعلام هي ما لفت انتباهنا إلى مأساة المشردين الذين يعيشون داخل صناديق من الكرتون في لندن وكذلك إلى المجاعات الأثيوبية، وفي عام 1991 لفتت انتباهنا إلى همجية الأكراد في شمال العراق.
وتجبر الدراما الإنسانية ـ عبر أجهزة التليفزيون ـ الناس على الاستجابة، بواسطة رفع قيمة الجوائز، والضغط على حكوماتهم.
ـــــــــــــــــــــ
[1] (فيسك وهارتلى) خبير إعلام .. والمقطع مأخوذ من كتاب لهما صدر عام 1988.
[2] لمزيد عن تأثير التليفزيون على المجتمع راجع (هودج وتريب 1986، ثومبثون 1990، باليو 1991، باكستون 1990، كوليفز 1991، دالجرين وسباركز 1991، ...)
[3] زومبية zombie: الحياة بلا قدرة على الكلام، وفقدان الإرادة.
[4] من "أخبار كمبريدج الأسبوعية ـ 7 مارس 1991".

















الساسة والتليفزيون
    كما قال "شكسبير" كل إنسان يؤدى دوره، وما الدنيا إلا مسرح". وفي وقتنا هذا يصح أن نقول: وما الدنيا إلا تليفزيون. الآن غزا التليفزيون "أقدم البرلمانات" في لندن، وتحولت أمة ملاك المتاجر إلى أمة نجوم التليفزيون (وهكذا كان نابليون سيعيد تقييمه للشعب البريطاني).
    ودائمًا أعضاء البرلمان منشغلين بكيفية إبراز أفضل "بروفيلاتهم" للتصوير، وبتغطية صلعاتهم وإزالة القشرة عن ملابسهم.
    وتكشف ـ بوضوح ـ ملابسهم وإيماءاتهم عن تدريب إعلامي محترف. مرة أخرى، يسيطر الإعلام على الناس الذين أصبحوا عبيدًا لهذا الشيطان.
    وتعتبر المناظرة بين كنيدي ونيكسون في بداية الستينات، بمثابة نقطة التحول بالنسبة للساسة ووسائل الإعلام.
    لقد بينت هذه المناظرة أهمية الابتسامة المنتصرة، خط الفك الدال على الصرامة، كتلة الشعر الكثيفة في مقدمة الرأس والبريق في العين. أما نيكسون فقد جعله العرق  و الشعيرات الخشنة على ذقنة" يبدو عصبياً وشريراً.
    ولم يكن جمهور المشاهدين مهتماً بالأفكار أو الوعود أو اللغة، أو على الأقل لم يَكُنْ مهتماً بها وحدها.
    انتصرت الصورة، وكسب كنيدي الانتخابات، وتغير الساسة الأمريكيون للأبد.
    ويُعَدُ فوزُ "ريجان"، الممثل، في انتخابات الثمانينات، منطقياً لحد لا يمكن إغفاله. وأصبحت وسائل الإعلام ـ بحق ـ هي الرسالة الوحيدة. ويمكن الآن لقناع جذاب أن يُخفي الكثير.
    وقد قالت "مسز تاتشر" إن صورة واحدة خير من ألف كلمة مطبوعة.
ولكن لم يقتصر اكتشاف وسائل الإعلام على الساسة "الأنجلوساكسون" فلقد استخدم الرئيس "ديجول" التليفزيون الفرنسى بقوله: لدى سلاحان سياسيان.. التليفزيون والتليفزيون. وفى العام 1991، رضخ حزبان في إنجلترا ـ المحافظون والعمال ـ لما لا يمكن لا تجنبه، واستأجروا اثنين من كبار مخرجي الأفلام، وهما على الترتيب "جون شليزنجر"، و"هيو هدسون" للإشراف على حملتيهما الإعلامية.
وليس بوسع المرء أن يفكر في الموقف المشئوم الذى كان سيتعرض له السيد (لينكولن)، الرائع الحساس، بحاجبيه الكثيفين ولحيته، ووجه الكئيب وملابسه السوداء وقبعته الحريرية العالية فوق رأسه، وذلك عند ظهوره على شاشة التليفزيون.
    ومن السهل تصور شخص إعلامي يتورط في موقف يدعو للسخط، أكثر من تصور اندفاع "لنكولن" في ثوبه الاحتفالي في (جتسبرج) مثل طفل القرد !
أي نوع هذا من البدايات المخجلة؟!
    وكان مصير خطابه هو صندوق قمامة التاريخ. ومنذ سبعة وثمانين عاماً، قال بنغمة تهكمية: "فى هذه القارة أقام آباؤنا أمة جديدة تعبر عن الحرية وتُقَدِّم افتراضها بأن كل الناس قد خلقوا متساويين".  والجملة طويلة جداً. ومدى انتباه المستمع أقل من دقيقة واحدة، وهذا هو غقتراحي لصياغة هذه الجملة:
"بإيماءة من رجل الإعلام، يقفز أربعة مهرجون سود إلى خشبة المسرح وهو يدندنون: إنه زمن الحرية يا صغيري ـ ثم يرفعون صوتهم بالغناء: وأصبحنا في عصر حرية التعبير.
    بينما استحوذ على انتباهك، يقول رجل الإعلام وهو مباعد بين ساقيه مُتفحصاً وجه (لينكولن) تخلص من لحيتك المضحكة. ومما لا شك فيه أنه قد سمع بأن قادة لينكولن كانوا ينادونه بـ "قرد البابون" الغوريللا الأصلية". ثم يضيف: أس نوع من الأسماء هذا، "إبراهام" إنه شرقس جداً لنُفَكِّر في اسم أصلى لإله أمريكي.
    "تشو تشو تشو، مقيد للحرية" .. يتغنى الرباعى الأسود. "وهنا يتطلع السيد (لينكولن) للسماء ؛ متوسلاً لأجل نهاية مبكرة لهذا العالم المخادع، غير الحساس، الغبى، والذى يمثله "رجل الإعلام".



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق