المسجد في مواجهة المركز التجاري
هناك تطور معماري؛ بالإضافة
إلى كثير من الابتكارات في تشييد المسجد أو الفندق؛ يتماشى مع التضمينات واسعة التفاوت
في المجتمع الإسلامي.. إنه التصور الأمريكي لـ "المركز التجاري".
ولقد وصل "المركز التجاري"
إلى المدن الإسلامية، وازدهر حتى في السعودية أرض المقدسات الإسلامية.
وأصبح السؤال الذي يشغل كثير
من المقالات: كيف يوفق المسلمون بين المسجد والمركز التجاري؟
ففي عهد ما بعد الحداثة، أصبح
المركز التجاري "mall"
هو المعادل المعاصر للمسجد بالنسبة للأمريكيين،
ويعد بمثابة "البؤرة الاجتماعية" التي يذهب إليها الناس يومياً وبإخلاص ـ
لأجل التجديد والصحبة.
ويعد "المركز التجاري" بمثابة مكان تنكشف
فيه الصور الاستهلاكية التي تغوي الحواس، إنه قبة المتعة الاستهلاكية، بمفاتنها التي
تغوي.. متاحة في كل لحظة وكل شيء يلقى على "هنا والآن".
وتعتبر ظاهرة "المركز
التجاري" الفني ؛ أعجوبة الثقافة الاستهلاكية. وتتسم حياة الأزواج بعد الحداثيين
بلهاث مستمر وراء الإشباع اللحظي لأمزجة سريعة التبدل وفقاً لما تستجيب له في
"المركز التجاري". وهكذا ذهب "نيك وديبورا" لمشاهدة فيلم
"سلام بومباي" وتعذبا لفقر العالم الثالث لمدة ثلاثين ثانية، ثم اشتريا أجهزة
حديثة ورقصا في بار "شامباجان وأويستر"، وانبهرا بطعم "المارجريتا
Marguritas"
في مطعم مكسيكي. (مورو وهيلير 1991).
إن المركز التجاري تجربة شاملة،
وهو بمثابة "مجاز" عن الواقعية المفرطة للحياة بعد الحداثية.
ومثله مثل الفحم: غير عضوي
؛ منطقة ميتة مغرم بها منظرو "الواقعية المفرطة" وربما يكون بمثابة مناخ
عام ؛ حيث لم يعد التسوق يعني التسوق ـ بل يعني تجربة فراغ عامة Total leisure-exp..
"مورو 1991".
ويقول "بول مازورسكي"
ـ أحد صناع السينما أنه مهما كان ما يحدث في حياتك فمن الممكن أن يحدث في المركز التجاري.
وهذا بالضبط ما قام به في فيلمه الأخير الذي يكاد لا يخرج عن واحد من كاتدرائيات النظام
الاستهلاكي وأطلق على هذا "الفيلم": مشاهد من المركز التجاري.
والمركز التجاري مكان للبهجة
والترفيه وتتبدى فيه السخرية "Irony"
من تجاور الجد والهزل، ويزوره الناس بغية الاسترخاء.
وتسعى العمارة التقليدية ـ
الحديثة ـ لإكراه الإنسان الذي يأتي في المقام الثاني بالنسبة لها. وعلى النقيض من
ذلك يأخذ المسجد "المؤمن" بعيداً عن خضم الحياة اليومية، معلقاً إياها، ومن
سماته السكينة والسلام. ويشجع المؤمن للتفكير في لا محدودية الرب وفناء الحياة على
الأرض. وعلى كل حال ـ في السنوات الأخيرة ؛ ثمة تزايد واضح في أعداد المراكز التجارية
مثلها في ذلك مثل المسجد. وتكشف أجهزة التكييف الأمريكية وأنظمة الصوت اليابانية عن
آثار التكنولوجيا الحديثة.
المركز التجاري، والمسجد:
الأول فردوس اللون والمتعة. والثاني نموذج للتقوى. ويرشحان كلاهما نمطي حياة مختلفين وفلسفات متقابلة.
وسيصبح على الأجيال المقبلة
من المسلمين أن تصدر حكمها، وتحدد اختياراتها وهذه قضية لم يركز عليها الباحثون في
العمارة الإسلامية: (أنظر كمثال: Atoshin 1990 Saqqad 1987)
والمشروع الحالي لمركز الثقافة الشرقية في طوكيو
يأتي تحت عنوان: المدنية في الإسلام ـ Urbanism in Islam).
وهكذا ستصبح أساليب التعبير
في الفن والعمارة بمثابة منحة إلهية مزدوجة، تحرر في نفس الوقت الذى تطرح فيه أسئلة
متشعبة عن طبيعة العصر.
الطبيعة المتغيرة للمجتمع
الغربي
لا يمكن دراسة الثقافة والتغيير
في المجتمع المسلم دون تعليق على الغرب، فطوال الفترة التالية للحرب العالمية الثانية
سيطرت فكرتان رئيسيتان على الأقطار الإسلامية دفعتاها إلى الكتلتين المحيطتين بها:
الرأسمالية والشيوعية. وثمة مبادئ بعينها متجذرة، كانت مكروهة للشعوب الأفريقية والآسيوية،
مازالت واضحة في النموذج الرأسمالي الغربي الجذاب: "رهاب الأجانب" الغربي،
والعجرفة العرقية.
ونتج عن ذلك ازدراء الغرب للمجتمعات التقليدية (تعبير
مخفف للمتخلفة) في إفريقيا وآسيا.
وفى الستينات تجلت تغييرات مهمة في المجتمع الغربي،
ويقع في القلب من الحضارة الكونية، وكان ذلك بمثابة تحدياً داخلياً، في الوقت الذى
كان من المفترض أن يؤثروا بوضوح على مجرى الأحداث في الدول الشيوعية.
ويعد تحلل النظام العالمي
وفلسفته في الثمانينات بمثابة ذروة هذه التغييرات.
في الستينات، كان جيل ما بعد
الحرب؛ اليافع والقلق؛ يكبر مع مرور السنوات ورفض هذا الجيل الطبقة المتصلبة والبنيات
الاجتماعية التي كانت صالحة منذ قرن مضى، فلقد تكونت في العصر الفيكتورى. وهاجم هذا
الجيل السلطة في جميع أشكالها ؛ الكنيسة كانت أو رب البيت. وامتلأ الهواء بكثير من الغضب، وأصبح الشاب الغاضب
(جون أوسبورن John Osborne) ممثلاً
لجيله.
ومن أكثر شعارات الستينيات
إثارة؛ شعار: روائح الأب الكريهة ـ Father Stinks pere pue.
واكتشفت لغة جديدة وسلاح جديد.
وتمثل ذلك في "الهجاء" عبر وسائل الإعلام، برامج مثل (حدث في الأسبوع الماضي
That was the week)، وصحف
مثل (العين السرية Private eye)
في بريطانيا، أشعلت حماس طلبة أوكسبريدج، وساعدت الهجاء السياسى التثويري. ومن الولايات
المتحدة جاءت فلسفة (سلطة الوردة Flower Power)، وجاء المعلمون الروحانيون الشرقيون بلحاهم الطويلة
ـ عادة من الهند ـ، والجنس السهل، والميتات غير الطبيعية للأيقونات.
وأصبحت الثقافة ذات حس عدائي
لكل ما هو أيقوني أو مقدس، وأصبح للجنس والعنف حضور واضح وكانت أعمال الثلاثي ( تي
إي، د.إتش. لورانس، داريل ) من القراءات الرئيسة للطلبة الذين رغبوا
أن يبينوا كم هم متمردون ومعاصرون كذلك.
وتجلت حالة الفورة والتمرد
في الشعور بالكرب، وأصبحت حالة (العته المبكر Dementia Praecox) واضحة كل الوضوح.
وقد كان التدخل الأمريكي العسكري
في فيتنام هو ما جلب الأزمة على المجتمع الغربي ودفع بأكثر التحديات درامية، وهو التحدي
الموجه إلى الأفكار المتعلقة بالذات.
وأسهم الخطر الحقيقي للهولوكوست
النووي، والانفجار في تكنولوجيا الاتصالات، خاصة التليفزيون، في جعل شعوب العالم أقرب
من أي وقت مضى.
وهكذا أصبح في مقدور الإنسانية
أن تشهد صناعة التاريخ، كما في أزمة الصواريخ الكوبية، بواسطة التليفزيون ليتملكهم
إحساس بالمشاركة في اتخاذ القرار.
وأدخلت هذه العملية الشعوب،
عبر أنحاء العالم في نقاشات، من الطبيعي أن تُسبب القلق للقادة.
وبلغت هذه المرحلة ذروتها
بعد عقدين، بشكل شبه محتوم، عندما تحقق الانتصار للمبدأ السلعي الاستهلاكي الغربي.
وكان انهيار الشيوعية إيذاناً للشيوعية ـ سابقاً ـ بأن تهرول للانضمام إلى النظام
الاستهلاكي.
ومن الطبيعي أن تكون مثل هذه
التغيرات في العالم غير الإسلامي قد أثرت على الشعوب في بلاد المسلمين.
ولم تسهم حالة الشك في الذات
وأزمة الثقة؛ أو التغيرات الدرامية التي ألمت بالمجتمع غير المسلم، في نشر الثقة بين
المسلمين.
ولهذا تحرك العالم المسلم
خلال نفس الفترة في مسار مختلف تمام الاختلاف، ووفقاً لإيقاع مختلف.
وكانت البداية نقطة تناولها،
بوعي، كثير من القادة المسلمين عن "النماذج الغربية" ـ المستلهمة من
"ويستمنستر أو ساندهرست".
ومع بداية السبعينيات، كانوا
يتلمسون الطريق نحو ماضي إسلامي أكثر أصالة و تلى ذلك ارتداد إلى الثقافة التقليدية،
وإحياء الأيديولوجية الدينية، وفخر بالعادات والثقافة التقليدية.
ولم يكن ببعيد عن ذلك، مطلقا،ً حالة البغض والنفور
المتزايدة من الغرب وما يمثله ويؤيده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق