الجمعة، 20 ديسمبر 2013

بالكتابة تطهرت من ميكروبات السياسة، ماريو فاراجاس يوسا، حوار







ماريو فارجاس يوسا، وُلد عام 1936 في أركيبا ببيرو. وخلال العامين 1989 و1990م، خاض حملة مخفقة للانتخابات لرئاسة بيرو. من رواياته: عصر البطل، البيت الأخضر، محادثة في الكاتدرائية، حرب نهاية العالم في مديح زوجة الأب.



الحكام المستبدون ليسوا كوارث طبيعية
وبالكتابة تطهرت من ميكروبات السياسة
                                                                  
                                                                                                                                 ماريو فارجاس يوسا
                                                      ترجمة: ياسر شعبان

"ماريو فارجاس يوسا"..واحد من جيل سحرة الرواية في أمريكا اللاتينية، الذين أسهموا؛ بما قدموه من عوالم وشخصيات ورؤى وتقنيات؛ في إعادة الحيوية والحرية – بل والنزق- إلي الرواية وكتابها.
"يوسا" المولود في "بيرو" عام "1936" تعلم القراءة وهو في الخامسة ليبدأ أولي محاولاته للكتابة باستكمال القصص عندما يصل إلي نهايتها، ليعلن في مثل هذه السن المبكرة عن رفضه للاستبداد حتى ولو كان استبداد النهايات. وهكذا يواصل "يوسا" الكتابة ليعلن رفضه وإدانته للنظم  الاستبدادية في أمريكا اللاتينية وأي مكان بالعالم. ويقدم للعالم روايته (حفلة التيس)؛ التي لاتقل في أهميتها وفتنتها عن (خريف البطريرك) لماركيز ؛ كإدانة تهكمية لكل المستبدين في العالم؛ الذين سلبتهم شهوة السلطة عقولهم وإنسانيتهم. وفي هذا الحوار الذي أجراه (روبرت ماك كروم) الصحفي بالأوبزرفر البريطانية يكشف "يوسا"عن المصدر الذي ألهمه كتابة رواية (حفلة التيس) وعن موقفة من الاستبداد والفساد والدوافع وراء انخراطه في العمل السياسي وعلاقته بالكتابة.

      

         ـــــ ما مصدر إلهام رواية "حفلة التيس"؟
* في عام 1975 توجهت إلي جمهورية الدومينكان حيث مكثت ثمانية شهور أثناء تصوير فيلم مأخوذ عن روايتي "كابتن بانتوجا والخدمة الخاصة"وخلال هذه الفترة سمعت عن "ترجيللو". وتكونت مدي فكرة رواية تعتمد على هذه الخلفية التاريخية. كان مشروعاً طويلاً، تطلب أن أذهب لمرات متعددة إلي الجمهورية الدومينكان لأقرأ الصحف وأتحدث إلي الناس: الضحايا، العاديين ومعاوني ترجيللو.

ـــــــ إلي أي حد تتناول هذه الرواية حياة "ألبرتو فوجيمورو"؟
*حسنا-أظن أن الرواية تدور حول"ترجيللو"، ولكن عندما تكتب عن حاكم مستبد فأنت تكتب عن كل الحكام المستبدين بل وعن نظام الحكم الشمولي كله. وهكذا لم أكتب فقط عن "ترجيللو" بل عن شخصية رمزية موجودة في العديد من المجتمعات.

ـــــ خاصة في أمريكا اللاتينية..
*عندما كنت بالجامعة خلال الخمسينات، كانت أمريكا اللاتينية ممتلئة بالحكام المستبدين وكان "ترجيللو" بمثابة الشخصية الرمزية ؛ تأكيدا ؛ نتيجة لوحشيته وفساده وممارساته المتطرفة وأدائه المسرحي المتكلف.لقد أخذ بكل الميول المتطرفة التي كانت شائعة تماماً بين الحكام المستبدين في هذا الزمن.

ـــ فساد السلطة..
*الحكام المستبدون ليسوا كوارث طبيعية. وهناك شئ رغبت في وصفة وهو كيف تتم صناعة الحكام المستبدين بمعاونة العديد من الناس، وأحيانا بمعاونة ضحاياهم.

ـــــ هل اكتسبت بعض الرؤى الخاصة بشأن الاستبداد من خبرتك السياسية ؟
*كانت السنوات الثلاث التي مارست خلالها السياسة مفيدة لأنها كشفت لي كيف أن شهوة السلطة قادرة على تدمير عقل الإنسان، تدمير القواعد والمبادئ والقيم، وتحويل الناس إلي وحوش صغيرة.

ــــ جزئيًا كتبت هذه الرواية عبر رؤية امرأة؛ فهل شكل ذلك مشكلة؟
*لنقل شكل تحديا وليس مشكلة. لقد أرادت أن تكون امرأة ضمن أبطال الرواية، وذلك  لأنني ظننت أن النساء عانين كثيرا في عهد "ترجيللو". ونستطيع أن نضيف إلي سلطته وسطوته النزعة الميكافيلليه؛ فلقد استخدم "ترجيللو" الجنس ليس فقط من أجل المتعة بل كمصدر للقوة والسلطة. وفي هذا المجال تمادى كثيراً وفاق غيرة من الحكام المستبدين، وعلى سبيل المثال كان يصطحب زوجات معاونيه إلي الفراش.

- كما في مسرحية شكسبير..
*نوعا ما- فمسرحية "كوريولانوس" مسرحية رائعة تدور حول هذا الموضوع.

ــــ متى عرفت لأول مرة أنك تريد أن تصبح كاتبًا؟
*لم يبدأ الأمر بالكتابة بل بالقراءة. لقد تعلمت القراءة وأنا في الخامسة، وأظن أن ذلك كان أهم حدث في حياتي.

ـــــ ما نوع الموضوعات التي كنت تقرأها؟
*قرأت روايات المغامرة، ففي ذلك الزمن لم يكن الأطفال يقرأوا السيناريوهات الكوميدية فقط، بل كانوا يقرأون الروايات كذلك. كذلك كانت هناك المجلات التي لازلت أذكرها وبدأت أكتب استكمالا لهذه القصص لنني كنت أشعر بالإحباط عند الوصول إلي نهايتها.   وهكذا بدأ الأمر بمثل هذا اللعب.

ـــــ مثل حكاية العمة جوليا وكانت سيناريو..
*هذا صحيح. وعندما دخلت الجامعة عرفت أنني يجب أن أصبح كاتبا. لكن في هذا الوقت، وفي مجتمع مثل مجتمعي، كان من الصعب أن تقرر الاكتفاء بأن تصبح كاتبا فقط.. وهكذا حاولت أن أقوم ببعض الأشياء لتلبية المتطلبات المعيشية علي أن أركز اهتمامي على الأدب.. وإذا بحياتي تستولي عليها...

ــــــ الصحافة؟
*نعم. ولكن عندما وصلت إلي أوروبا في عام (1958) قررت الاستمرار في أن أكون كاتباً وأتفرغ للكتابة وأهبها كل ما لدي من طاقات. واكتفيت بممارسة بعض الأعمال الهامشية، وكانت تلك لحظة مهمة في حياتي.
ــــــ تسبب عدد كبير من كتبك في توريطك بمشاكل..
*وظيفة الكاتب أن يكتب بدقة واقتناع، ويدافع عما يؤمن به بكل ما لديه من موهبة.وأظن
أن على الكاتب نوع من المسئولية التي تتمثل –على الأقل – في المشاركة في الحوار الحضاري وأظن أن الأدب يفقد كثيراً من قوته إذا انفصل عن اهتمامات الناس والمجتمع والحياة.

ــــــ هل يفسر هذا تزايد الدور العام للكاتب في أمريكا اللاتينية ؟
*أظن أن مشاركة الكتاب في النقاش العام سيحدث اختلافاً ما. وإذا ما تم عزل الثقافة عما يحدث في الحياة؛ ستصبح ثقافة مصطنعة للغاية.

ـــــ هل حب الجدل جزء من طبيعتك أم تضعه داخل شخصياتك؟
* من الصعب تصنف كتبي وفقا للأنماط الشائعة. وأظن هذا أحد التفسيرات، فأنا أحاول دائماً أن أكون كاتباً مستقلاً. ولا يعني ذلك أنني أكون مخطئاً، فربما أكون قد أخطأت مرات متعددة.

ــــــ ما الذي جعلك تنخرط في العمل السياسي ؟
*حسناً، دائما ما كنت متورطاً في العمل السياسي، ولكن ذلك بوصفي مثقفاً. وفي نهاية الثمانينات ظننت أنني يجب أن أمارس العمل السياسي..وكان قراراً خاطئاً.

ــــــ هل شعرت بصدمة عندما لم تحظ أفكارك بأي قبول وشعبية؟
*نعم شعرت، لكن الأمر كان أسوأ من ذلك. ففي الانتخابات الديمقراطية إما أن تفوز أو تخسر، لكن ما حدث بعد ذلك كان محيراً للغاية. لقد فاز " فوجيمورو"، وظل لسنوات يحظى بشعبية كبيرة، مثله في ذلك مثل "ترجيللو" والعديد من الحكام المستبدين. وكان ذلك صادماً لي بشدة

ــــــ هل تظن أنك وضعت هذه المرحلة من حياتك وراءك ، أعني بعد كتابة " سمكة في الماء"؟
*بالتأكيد. فالأدب له هذه القوة الهائلة، فمن الممكن أن تكتب عن شئ ما حتى ولو كان أسوأ تجربة مررت بها، وتكون بذلك قد تطهرت وتشفي تماماً.





















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق