حنيف قريشي: 5 ديسمبر 1954، كاتب بريطاني من أصول باكستانية. كاتب
مسرحي وسينمائي وروائي وكاتب قصة. من رواياته "بودا الضواحي"، "
الألبوم الأسود"، "الجسد".
أنا
كاتب محترف أسعى لاكتشاف الحياة
حنيف
قريشي
ترجمة: ياسر شعبان
أجرت الأوبرزرفر
البريطانية هذا الحوار بعد صدور روايته " منحة جابرييل"، و فيه يتعرض
"حنيف قريشي" لعدد من الموضوعات المهمة مثل اهتمامه بالعلاقات الأسرية
وتأثير ما يصيبها من تفكك على الأبناء، كذلك يتعرض لعلاقته بأبيه وحلم الكتابة
المشترك بينهما، وظاهرة الكتاب الكوزموبوليتان، و ممارسة "حنيف" لأكثر
من شكل إبداعي "مسرح – سينما – وراية – مقالات" وأخيراً كالعادة – يأتي
السؤال عن الموت.
- ما الذي تتناوله في روايتك "منحة
جابرييل".؟
أنها قصة صبي عمره
(15) عاماً ويدعى جابرييل، وفي بداية الرواية ينفصل والداه ويرحل والده ليعيش
بمفرده في منزل قديم متداع في "إيرلز كورت" ويعيش الصبي بين والديه،
محاولاً أن يوفق بينهما ويضع نهاية لصراعهما حتى يعودا للحياة سوياً ويستعيد هو
فردوس طفولته المفقود.
- هل كانت هناك لحظة
إلهام خاصة وراء كتابة هذا الرواية؟
طلب مني "دافيد
بوي" أن أكتب له كتاباً يقوم بوضع رسوماته، واتفقنا على ضرورة أن يكون كتاباً
للأطفال.
ولكن مع تقدم عملي في
الكتاب تجلى لي أنه قد أصبح كتاباً للبالغين، وعندئذ تسللت رسومات "بوي"
لتصبح جزءاً من القصة.
إلى أي حد ترى علاقة
بين هذه الرواية وأعمالك المبكرة؟
حسناً إنها تدور حول
الآباء والأبناء وهو الشيء الذي يحظى باهتمامي دائماً ، كذلك تدور الرواية حول
الأبناء الذين يتمتعون بموهبة قد تفوق موهبة آبائهم.إنها تدور حول انفصال الوالدين،
ودائماً ما يكون ذلك مؤلماً ,أخيراً فإن الرواية تهتم بهؤلاء القادرين على تغيير
حيواتهم.
- لكنها أقل إثارة
للجدل من روايتك "ألفة"..
لقدر غبت في كتابة
رواية لطيفة وسابقاً استمتعت بكتابة "بوذا الضواحي".. ولدي قناعة بأن
الأعمال الممتعة هي تلك التي تستمتع بكتابتها. فمثلاً كتب مثل "حب في زمن
أزرق" "ألفة"، "منتصف الليل – طوال اليوم" جميعها أعمال
تميل إلى الاكتئاب والسوداوية.ولذلك فكرت أن الوقت قد حان للقيام بشيء آخر.
- لقد كتبت المسرحيات
والقصص والأفلام والروايات.. فهل تعتبر نفسك روائياً في المقام الأول؟
عندما كنت شاباً صغيراً
فكرت في ضرورة ممارسة جميع هذه الأنواع، حتى أتبين أيها أفضل وأكثر مناسبة لي،
وبعد فترة أصبحت قادراً على الجلوس لكتابة أي نوع منها، وحقيقة أستمتع بممارستها
كلها.
فأنا استمتع بالعمل في
الأفلام لأنني أستمتع بالعمل مع المخرجين، وأحب كتابة الروايات لأنها نشاط خاص
تستطيع أن تفعل خلاله أي شئ.. وكذلك أحب كتابة القصص القصيرة لأنه من الممكن
إنجازها في أسبوع واحد فقط،وليس ذلك بالأمر غير المسبوق فلقد كتب شخص مثل
"جراهام جرين" كل هذه الأنواع. والآن لا تعتبر الكتابة بالنسبة لي مجرد
حلم،لكنها مهنة، ففي الصباح تحلم وفي الظهيرة تقوم بأداء مهامك.
وعندما تصل إلى منتصف
العمر ولديك ثلاثة أطفال، لابد أن تفكر فيما يجعلك قادراً على تدعيم نفسك وأسرتك
خلال الثلاثين عاماً القادمة، ولذلك أهتم بهذين البعدين لمهنتي : العملي والحالم.
- هل أردت دائماً أن تكون كاتباً؟
اكتشفت أنني أريد أن
أصبح كاتباً عندما كنت في الرابعة عشرة، وفتنني ذلك لأنه منحني دافعاً هائلاً،
وعندئذ تعرفت على طريقي.
-هل شجعك والدك لتمارس
الكتابة؟
أراد أبي أن يكون
كاتباً ونجح في تحقيق ذلك لحد ما فلقد كتب كتابين وتم نشرهما وتناولا موضوعات لها
علاقة بالتاريخ وتكوين باكستان.
وكتب عدداً من
الروايات كذلك لكنها لم تنشر. كان مغرماً بالكتابة وفكرة أن يكون كاتباً. كان ذلك
في الستينات عندما انتقل من الضواحي إلى لندن التي كانت حينها مدينة صاخبة.
-هل تظن أنك حاولت
الخروج من الضواحي؟
أظن لو خرجت الضواحي
من داخلي لكان ذلك أمراً مختلفاً، بالتأكيد أردت الانتقال إلى لندن لأكون برفقة
مثقفيها، ففي الضواحي تتعرض الثقافة والمثقفون للسخرية، فهم يعتبرون محاولة أن
تصبح مثقفاً بمثابة محاولة لتجاوز وضعك الحالي أو يرونها محاولة استعراضية لا طائل
من ورائها ولذلك قررت مغادرة الضواحي.
-إذن لم يكن هناك شك
في أن تكون أي شئ سوى كاتب..
عند الانتهاء من مرحلة
التعليم الجامعي فإن كل من تقابله تتملكه رغبة أن يكون كاتباً، وبعد فترة قصيرة
تجد نفسك مضطراً لتقرير ما إذا كنت تريد حقيقة أن تصبح كاتباً أو تصبح أكاديمياً.
وفي عام 1979 عرضت لي
مسرحية بعنوان (الملك وأنا) على مسرح "هوسو بولي" وبعدها مسرحية أخرى في
"ريفر سايد" وعملت بعدها في الــ "رويال كورت" وهكذا بدأت
أتبين ملامح مهنتي.
-هل أراد والدك أن تصعد سلم التفوق والتميز في المجتمع الإنجليزي؟
بالتأكيد ولقد تحقق
ذلك لأبناء عمومتي فدائماً ما يربد الآباء لأبنائهم أن يصبحوا أطباء ومحامين
ومهندسين دون أن يفكروا في مسألة كتابة القصص.. فنحن لم نأت لإنجلترا لنتسكع.
وينتمي والدي لعائلة أدبية، فأعمامي كانت لديهم مجلات سينمائية وكان أحد أعمامي
كاتباً لواحد من الأعمدة في صحيفة يومية بباكستان، وكذلك جئت أنا أيضاً من نفس هذه المرجعية الأدبية، وهكذا لم تكن مسألة
أن تصبح كاتباً بالشيء الغريب.
- ماذا كانت وظيفة
والدك؟
كان يعمل في وظيفة
مكتبية بالسفارة الباكستانية.
فلقد ترك كليته قبل أن
يحصل على شهادة التخرج، ليحصل على وظيفة ويقضي حياته محبطاً، دون أن يفارقه الأمل
في أن يصبح كاتباً.
-هل تظن أنك حققت
أحلامه؟
لقد عشت بالطريقة التي
رغب أني عيشها لكنني أظنه كان يفضل لو عاشها بنفسه.
- هل تظن أن علاقتك
بوالدك تعد بمثابة الدراما المركزية لحياتك الإبداعية؟
تمثل قصة أبي أهمية
خاصة بالنسبة لي ككاتب لأنه كان مهاجراً يمثل تلك التجربة الخاصة بالمجيء إلى
إنجلترا والتعرف على المجتمع الإنجليزي.
فأن تكون متورطاً في
النزعة العنصرية يعني أن تكون على صلة وثيقة بتاريخ الزمن الذي تعيشه وما يعرف بــ
"ما يعد الكولونيالية" وحول هذا الزمن كتبت روايتي الجميلة "المغسلة"
وبعدها رواية بوذا الضواحي – وكنت مدركاً أن مثل هذه الموضوعات لم يتناولها جدياً
الروائيون البريطانيون.
- هل تحولك إلى متحدث
غير سمي باسم جيلك من الكتاب "الأسيويين – البريطانيين" يمثل عبئاً عليك
أم يجعلك تشعر بالبهجة؟
حسناً في البداية كنت
بمفردي، وبعد فترة جاء سلمان رشدي – والآن هناك "زادي سميث" وغيرها كثير
من الكتاب الذي ينتمون إلى أعراق مختلفة، وهكذا لم يعد هناك سوى عدد محدود من
الكتاب الذين يحملون أسماء إنجليزية.
فالجميع الآن يدعون بــ
"إشجورو" – نسبة إلى الكاتب الياباني الأصلي "كازو إشجورو" أو
لهم أصول أسترالية وفي البداية عانيت من عبء أن أتحدث نيابة عما يعتبره البعض
مجتمعي، ولكن مما لا شك فيه من حق كل كاتب أن يكتب بحرية وبعيداً عن سلطة أي نزعة
أصولية.
ــــــــ ما رأي مجتمعك فيك؟
أظن أن الشباب
يعتبرونني مثالاً يحتذي، و يشيرون في بعض
الأحيان إلى أنني كاتب متميز و لي أسلوبي الخاص في كتابة القصص ولا يمنع ذلك آخرين
من الهجوم على لأنني أظهرهم بشكل سيئ ويتساءلون لماذا لا أكتب قصصاً مثل الطريق
إلى الهند. ودائماً ما يطرحون هذا السؤال علي – كما لو كانت "الطريق إلى
الهند "قصة جيدة".
- لمن قرأت في البداية؟
أعجبت كثيراً بالكتاب
الأمريكيين، لأنهم أكثر تحرراً في تناول الموضوعات الجنسية من الكتاب البريطانيين.
ـــــ ولمن تقرأ
الآن؟
أميل أكثر إلى قراءة
الكتاب القدامى الذين نشأت على الإعجاب بهم.
ولأنني أخشى من ظهور
أصوات الروائيين الآخرين في كتابتي، فإنني أتجنب قراءة أية ورايات خلال فترة
الصباح واستبدلها بقراءة الشعر.
ــــــ في رأيك ما
وظيفة الكاتب؟
أظن أن وظيفة الكاتب
هي كتابة القصص التي تدور حول الحياة التي نعيشها، وتهتم بالناس الذين ننتمي إليهم
وبما يعتقدون فيه من مبادئ وقيم وبما قد يفعلونه. فالحياة الإنسانية تستحق أن نعيد
التفكير فيها و نتأملها ونهتم بها مراراً وتكراراً ، فالحياة لا تطابق ما توصل
إليه شكسبير. يجب أن نفكر جدياً في الأسئلة الرئيسية والجوهرية لوجودنا.
تلك الأسئلة التي لا
تستطيع الأشكال الأخرى (الصحافة التليفزيونية والأفلام) أن تتناولها.
ولذلك مازلت أعتقد أن
الرواية هي الشكل الأمثل للاهتمام بالأوضاع الإنسانية، وذلك في حدود المتاح لنا.
ـــــــ فيم تعمل الآن؟
لدي العديد من الأفكار،
فهناك رواية أوشكت على الانتهاء منها، وهناك أخرى أرغب في كتابتها لاحقاً وستقدم
رؤية بانورامية لفكرة العرق منذ الخمسينات وحتى الآن، لكن في وجود أطفال ثلاثة من
الصعب أن أجد وقتاً لأكتب.
ــــ تسببت رواية
" ألفة " في بعض المشاكل لك..
حدث ذلك لأن بعض الناس
شعروا – بالغضب لأنهم تصوروا أنني المتحدث في هذه الرواية.
كانت رواية تدور حول
شئ خطير جداً يتعلق بما يمكن أن يحدث عندما تسوء العلاقات الزوجية، ولذلك شعرت
أنني كتبت كتاباً نجاحاً وفقاً لشروطه الخاصة.
ــــــ في ظنك لماذا غضبوا؟
أظنهم غضبوا لأن
الموضوع كان مثيراً للغضب وربما كنت ماكراً بعض الشيء في طرح هذا الموضوع، لكنني
متأكد أن الموضوع الذي يتعلق بهجر شخص ما أو التعرض للهجر والتجاهل أو لمعاملة
قاسية ووحشية، وكلها أشياء تثير الاشمئزاز والكراهية، لابد تسبب الألم للجميع. نعم
لقد كتبت رواية قادرة على إثارة الغضب في أي مكان و لم أرغب في كتابة رواية تصقل
الأشياء أو تتناول شيئاً حدث منذ خمس سنوات، رغبت في كتابة رواية عن الحدث وقت
حدوثه.
ـــــ وهكذا تم اتهامك
بالوحشية؟
بالتأكيد تمتلئ
الشخصية الرئيسية في الرواية بالقسوة وتتعامل بقسوة بالغة عندما يتاح لها ذلك. وكل
ما رغبته أن أكتب رواية تعيد إنتاج ذلك.
ــــــ في أعمالك
السابقة كان الآباء والأبناء يجتمعون على التآمر، لكن في "منحة جابرييل"
تحرر الصبي في النهاية فهل استطعت من خلال هذه الدراما النفسية أن تتحرر من علاقتك
بولدك؟
لا أظن أن المرء يتوف عن التفكير في أبويه
وعلاقته بهما، لكن هذا التفكير يتزايد عندنا يصبح لديك أطفال. وهكذا عندما أنظر
إلى طفلي الذي لم يتجاوز الثانية من عمره، أتذكر أمي وأبي عندما كنت في الثانية.
وعندما يتقدم بك العمر فإنك تفكر في حال أبيك عندما كان في الخمسين ولازال يعمل في
وظيفة لم يحبها وهكذا تجد نفسك تعيد التفكير فيهما مرة بعد أخرى، كما لو كنت
رساماً يرسم نفس الوجه طوال خمس وعشرين سنة.
ــــــ هل تفكر في
الموت؟
نعم الآن أفكر فيه
كثيراً، فعندما تصل إلى مرحلة منتصف العمر تكون قادراً على التطلع إلى البداية
والنهاية والتفكير فيما ستتركه بعد رحيلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق