الاثنين، 30 ديسمبر 2013

الفن والعمارة الإسلامية، أكبر أحمد




الفن والعمارة الإسلامية

 تحكي القصة عن الإمبراطور الموجالي (أورنجزيب AURANGZEB). فذات مرة سأل موكبا من "المنتحبين" وهم في طريقهم إلى المقابر، من سيدفنون؟
وبلماحية ساخرة؛ تؤكد تمتع المسلمين بروح الفكاهة؛ أجابوا: الموسيقى، ورد الإمبراطور، حتى لا يتفوقوا عليه: أدفنوها عميقا حتى لا تنهض ثانية.
ويعبر (أورنجزيب) عن الاستنكار العقائدي التقليدي تجاه أي شكل من أشكال النشاط الإنساني الذى ينتقص من عبادة الإله.
على كل حال ـ للمسلمين تقليد راسخ لتعبير عن التوهج الروحاني، و ذلك من خلال الموسيقى الشعبية، والـ (قوالي ـ QAWALI) واحدة منها. وربما تكون بمثابة (العهد بعد الحداثي) الذي سيحرر الفنون في الإسلام.
وحيث أن ما بعد الحداثة مدخل إلى عالم الإعلام والمعلومات، وإلى ثراء ميراث الفن الإسلامي ـ فبمقدورها أن تمدنا ببرنامج لتحقيق النهضة الإسلامية.
وعبر التليفزيون ـ وللمرة الأولى ـ اكتسبت الـ (قوالي) مشاهدين لا حصر لهم في جنوب آسيا وفى الغرب أيضاً.
ويؤدي العامة، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الـ (قوالي) على نطاق واسع، كذلك بهر (الخط العربي، الرسومات الفارسية، والعمارة الموجالية) المشاهد من خلال العروض و وسائل الإعلام، وفى ذات الوقت خلقت إحساساً بالفخر لدى المسلمين بميراثهم.

ميراث الفن الإسلامى:
 
متأصل بين المسلمين تقليد يربط بين "ما هو روحاني" وبين الفن.
وتحت عنوان (الفن المعاصر في العالم الإسلامي) عرضت أعمال مثيرة للإعجاب لأكثر من مائتين من    كبار الفنانين المسلمين.
وهناك أكثر من ثلاثين معرضاً حكومياً وخاصاً في مصر وحدها، ويأتي في الصدارة (معرض الفنان الحديث) بدار الأوبرا.
و يقوم الفن، في عمان، القاهرة أو كراتشي، بدور المعبر للإلهام ـ التوجهات ـ الأساليب والأفكار بين الثقافات الإسلامية والغربية. ونستعرض هنا الموضوعات الحديثة، الإسلامية ـ الموجالية ـ العربية والغربية، التي تتصادم وتتجاور مثل: التحمس للقرآن والقرية من جانب، والأصوات المتقدمة التي تدعو إلى القومية والمناورات السياسية.
رغم ذلك ـ فروح المغامرة أو التعبير بعد الحداثي محدودة للغاية ـ كما هو واضح ـ وهذا ليس مصدر دهشة، فكم من فترات مرت على الأقطار الإسلامية كان الفن فيها منبوذاً. وحتى في أزهى الفترات، كان من العسير أن يجد الفن من يناصره والأكثر صعوبة الاحتفاظ بهم. ولهذا السبب يلقى التعبير الفني في المجتمع الإسلامي تقديرًا مضاعفًا حال وجوده في قوالب "الطبيعة" العقيمة.
وأقل إدهاشًا ـ ما قام به "إقبال" في (جواب الشكوى ـ JAWABE SHIKWA) عند مقارنتهم بأسلافهم العظماء مستخدماً لازمة ازدرائية: "ماذا تكتبون"؟
ولقد تعرضت المواهب الفنية الإسلامية المعاصرة لكثير من التعبيرات البغيضة. ورغم أنه لا توجد أي سينما إسلامية بعد حداثية، ورغم المركزية والرقابة والعهود الطويلة من القانون العسكري التي أحبطت بشدة أية رغبات في التجديد والابتكار، فكل هذا لا يعني افتقار المسلمين للموهبة السينمائية، وخير مثال على هذا السينما الهندية.
 فمشاركة المسلمين في السينما الهندية ـ التي تعتبر أكبر صناعة في العالم ـ جوهرية مهمة ومن بين هؤلاء المسلمين خرجت أعظم الأسماء في السينما التي تتخذ من بومباي مركزاً لها مثل: (ديليب كومار) أكثر الممثلين الهنديين التراجيديين شهرة والممثلتين (مادوبالا، ميينا كوماري) والمغنيين (دافي وطلعت) والمخرجين (محبوب، نوشاد) والشعراء (لوديانفي، بادوياني).
واليوم (شبانو عزمي)، (ناصر الدين شاه) يعتبران من بين أعظم نجوم الهند وأكثرهم شعبية، و(حسين خان) مثال آخر ساطع في أحد مجالات الفن، فهو من أكثر رسامي الهند شهرة.
كذلك أصبح للموسيقى الهندية الكلاسيكية شهرة وذيوعاً؛ يرجع للمسلمين في جزء كبير منه وبالطبع لا يمكن إغفال فوز (نجيب محفوظ) بجائزة نوبل للآداب.

الشعائر في المسجد:

وبافتراض أننا بصدد التوجه نحو الهوية الإسلامية الكبرى؛ فقد يحق لنا أن نتساءل: ما هي أفضل الوسائل المتاحة لفهم طبيعة وجدان المسلمين؟
وفى سبيل التوصل للإجابة الحرجة؛ علينا أن نبحث بعيداً عن دهاليز الطاقة في الأراضي المسلمة، أو الأكاديميين أو وسائل إعلامهم. وذلك لأن جميعها قد تأثر بالغرب، بغض النظر عن القبول أو الرفض.
وعوضاً عن هذا ـ لنتأمل مركز بنائهم العقائدي: المسجد، فهو الأصل الذي لا يلتفت إليه، وغالباً يخطئ حتى الخبراء عند تناوله.
وتعتبر إيران ـ في فترة السبعينيات ـ خير مثال على هذا.
فلقد تنبأ عديد من الخبراء بعهد مديد لشاه إيران، وذلك قبيل ثورة آية الله خوميني؛ بالرغم من فيضان المساجد في هذه الآونة. وأصبح الخطأ مركبًا بإقحام العناوين المبسطة الواردة من أوربا ـ مثل "الأصولية" ـ على المسلمين. ولنتساءل: هل هناك منظور إسلامي واضح ومحدد ومترابط منطقياً؟ وكيف نتعرف على كيانه الفيزيقي في المجتمع؟
وبوسعنا القيام بهذا من خلال القليل الذي تم دراسته، الذي تم دراسته.
وسيكون مضللاً أن نساوي بين المسجد في المجتمع الإسلامي وبين الكنيسة في الغرب ـ لأنه ببساطة: ليس للكنيسة بين المسيحيين ما للمسجد من سلطة سياسية واجتماعية بين المسلمين.
وبناء على هذا ـ ففي الأحداث الجسام؛ يتم خلق وتعضيد منظور متلاحم منطقيًا بشكل واضح.. آخذًا في اعتباره التنوع في الخطابات والثقافات والقوميات بين المسلمين. وللأفكار التي تتولد داخل هذه الشبكة خاصية تجاوز الحدود القومية، والنفاذ إلى الأسواق والكوادر الدنيا من الحكومة.
وفى المسجد: يتم التأكيد على قيمة التقاليد والقيم، وتوضع الاستراتيجيات وتقيم الموضوعات السياسية والاجتماعية يومًا بيوم. وطوال شهر الصوم ـ تتولى المساجد إطعام الفقراء، وفى وقت الأزمات تجمع التبرعات وتعوض المنكوبين، وفى الأوقات العادية تتحول إلى مدارس وأماكن للندوات.
وفى المساجد من "كراتشي إلى القاهرة" في العالم الإسلامي، وحتى في "كمبريدج"، في العالم غير الإسلامي، فاجأني التشابه الكوني فيما يخص الموضوعات التي تتناولها الخطبة ـ هذه الشعيرة التي تلقى يوم الجمعة على جموع المصلين لمدة نصف الساعة تقريباً، وذلك قبل الصلاة الرئيسية.. ويتسم المصلون خلالها برهافة الاستقبال وبانتشار حالة من السكينة بينهم. ويتراوح عدد المصلين بين خمسين وخمسين ألفاً وفقاً لحجم المسجد.
وتعكس الموضوعات التي تتولد أثناء هذه الشعائر الآراء المنتشرة بين عامة المسلمين. وتستخدم اللغة القومية في الأقطار الإسلامية، أما في البلاد التي لا تتحدث العربية.. غالباً ما تطعم الخطبة بألفاظ عربية. وتستخدم الإنجليزية ـ غالباً في مساجد إنجلترا والولايات المتحدة.
وفى هذه الشعائر تستحضر أيام الإسلام العظيمة ونبل وفخامة الماضي. ودائماً ما تدعم المناقشات بآيات قرآنية ويتسم التحليل بالبساطة، والألوان بكونها إما بيضاء أو سوداء، والتعبير بالمغالاة.
وغالبية المصلين قرويون أميون، ويستجيبون وفق تعاطفهم الوجداني. وفى هذه الآونة التي تتسم بتبدلاتها السريعة، تهدئ الأفكار السلفية الجامعة من روع هذا الوجدان، بكثير من الموضوعات الواضحة مثل: الصراع الكوني بين الخير والشر، فيبدو العالم كما لو كان واقعًا تحت السيطرة المتزايدة للغرب، وبخاصة الولايات المتحدة التي تمثل الانحطاط الأخلاقي والروحاني ويصبح كل ما يقدمه الغرب: الجنس ـ المخدرات ـ العنف.
وعلى المسلمين أن يقاوموها بالتقوى وبصلابتهم الأخلاقية. وغالباً ما تمرر الآراء الجامدة والإشاعات خلال المناقشات على أنها حقائق. وتؤخذ الـ (VCR) وبعض عروضها البذيئة كممثل للغرب، أما المتاحف والمتنزهات والمكتبات؛ فنادرا ما يشار إليها
وهذا تعليق "سعيد" الاستشراقي: إنه نوع من الاستغراب (OCCIDENTALISM) والذي قد ناقشنا تناميه فيما سبق.
وتشكل مشكلات المسلمين المعاصرة موضوعاً آخر. ويحتل فقدان "أورشليم" ومصير الفلسطينيين قمة القائمة. وفى هذه الحالة تندمج الاتجاهات السياسية، والعرقية والعقائدية. وتُلقى الخطب القومية التي تخترق القواعد، وغياب المساواة بين الغنى والفقير. وكذلك يسلط الضوء على أسلوب الحكومة الخاطئ في الحكم وكل هذا يُربط بالغرب الذي يُرى بمثابة دعامات غير مرغوب فيها؛ غرضها الحصول على الامتيازات مثل: البترول ـ قاعدة عسكرية ـ أو لدوافع إستراتيجية.
وبمجرد أن نعلن إعجابنا بشبكة المساجد الممتدة، وبطبيعتها التنظيمية الراسخة، وبمحتوى الشعائر؛ فإننا بذلك نسلط الضوء على بعض الظواهر المتأخرة التي تدفع إلى التشوش.
وتعد حرب الخليج واحدة من هذه الظواهر فلقد ارتبك كثيرون إزاء بعض المواقف التي اتخذتها حكومات معينة (مثل مصر وباكستان) والتي ساندت قوات التحالف، بينما ساندت مظاهرات ضخمة ـ في هذه الدول ـ صدام حسين، وفى نفس الوقت الذي أقرت فيه كثير من الأمم المسلمة بقرارات الأمم المتحدة. كان كثير من المسلمين في حالة تشاؤم ساخر من الكيفية التي تدار بها الأمم المتحدة، مشيرين إلى موقف إسرائيل الذي مازال يتجاهل قرارات الأمم المتحدة.
وبالمثل ظهر التشوش على الأنباء الغربية التي تتناول التطورات الأخيرة حول "سلمان رشدي". فهم يتساءلون: إذا كان قد أصبح مسلماً، فلماذا مازال مختبئاً؟
والإجابة على هذا السؤال توجد إلى حد بعيد في المسجد، الذي أصبح بمثابة مقياساً للسياسيين بين المسلمين.
وربما تعد ثورة "آية الله خوميني" المثال الأكثر دراماتيكية فيما يخص اجتياح المسجد لكهنوت القصر الحاكم.
وفى بلدان أخرى ـ يحرص الحكام على الإنصات إلى ما يقال عن الشعائر في البيوت، تماماً مثلما ينصتون إلى الأخبار الرئيسية في الـ"بى بى سى". و رغم ما يتهم به أئمة المساجد من إذعان لضغوط الحكومة، وبأنهم خائفون على رواتبهم؛ فهم ـ وإلى حد بعيد ـ يمثلون صوت المعارضة، و بسبب هذا عانوا كثيراً في حالات عديدة. ولكن لا يفلت من يشتبه في أنه قد حاد عن معتقدات الإسلام. حتى الجنرال "ضياء الحق" بموقفه الإسلامي ـ واسع الشهرة ـ كان هدفاً للنقد الحاد من قبل المسجد، وقبل ذلك أطيح بـ "ذو الفقار علي بوتو" ـ أبوبنازير ـ نتيجة لـ "حملة الدعاية المكثفة" التى قامت بها الأحزاب الدينية، ولهذا كانت "بناظير" أكثر حرصاً إزاء حالة المسلمين الوجدانية.
وبعد حرب الخليج ـ أبدى حتى الرؤساء غير المعروفين برفقتهم للتيار الإسلامي "مثل الرئيس حسنى مبارك في القاهرة"، "الملك حسين في عمان"؛ انتباهاً خاصاً إلى الشعائر والطقوس الدينية.
وبناء على هذه القرينة يصبح في مقدورنا أن نفهم الدافع وراء دعم المسلمين لصدام حسين أو الإدانة المستمرة لـ "سلمان رشدي".
وبرغم أن تيارات دينية كثيرة قد عانت على يدي صدام، فإنه ينظر إليه كشخص يقف في مواجهة الغرب. وحتى الذين بينهم تعارض؛ يتفقون عليه كـ"رمز"، كـ"نقطة" للم الشمل". وفى لقاء انفعالي مشبوب "في برادفورد" أعلن "المجلس الأعلى لمسلمي بريطانيا" تأييده المطلق له.
وفي باكستان ـ حيث لم تكن له شعبية أبداً، وذلك بسبب مساندته للهند ضد كشمير، أشعلت المظاهرات النار في تماثيل لـ (بوش)، (ميجور) وكذلك ـ أعلن "مولانا نوراني" زعيم الحزب الديني؛ أن أكثر من (100.000) متطوعاً جاهزون للقتال في صف صدام.
وبالمثل ـ يظل (سلمان رشدي) رمزاً على إذلال الغرب للمسلمين ـ ثقافياً. ففي المساجد ـ مازال تصريحه بأنه مخلص للإسلام؛ محل شك.
ومن الأشياء التي لا تدعو للدهشة، أن المسجد الرئيسي لمسلمي بريطانيا (فى متنزه ريجينت ـ بلندن) مازال يواجه الحملات الدعائية لنبذ (سلمان رشدي). وتعرض "إمام" هذا المسجد للاستبعاد ومُنع من إلقاء الخطبة وذلك لأنه قابل "سلمان رشدي" وقَبِل عودته إلى الإسلام في ديسمبر 1990.
وحتى بعدما أعلن اتهامه لـ "سلمان" بأنه مرتد، لم يسمح له بإلقاء الخطبة. وهذا الإمام ـ العالم المصري حلو الحديث ـ لم يستعد مكانته السابقة في المجتمع. وعرض البيان السياسي الذي نشره المركز الإسلامي للدراسات ـ بلندن ـ في "10 سبتمبر 1990" تحت عنوان (أزمة الخليج) ـ ملخصه ـ الموضوعات التي حددناها، ويشير كذلك إلى ما يراه بمثابة ( الخطة السرية الكبرى) للقوة العظمى الوحيدة "الولايات المتحدة".
وهذه هي الخطة كما أعلن عنها بعد الحرب:
1ـ إجبار العراق على دفع تعويضات عن الحرب تصل إلى (100 مليون دولار).
2ـ تسريح الجيش العراق، كما حدث مع الجيش الياباني والألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
3ـ السماح للقوات الأمريكية للبقاء على الأراضي العراقية لمدة خمسين سنة كما حدث مع اليابان وألمانيا.
4ـ السماح للعراق بقوة بوليسية فقط.
5ـ تصفية المفاعلات النووية والأسلحة، المصانع، مما سيدفع العراق إلى الشراء من الغرب.
6ـ عزل صدام وعائلته بعد محاكمة على شاكلة "محاكمة نورمبرج".
7ـ الإبقاء على عديد من القواعد العسكرية والقوات الأمريكية في شبه الجزيرة العربية لحراسة حقول البترول.
8ـ رقابة تامة على منظمة الأوبك (OPEC) بواسطة العرب، للسيطرة على الإنتاج والسعر العالمي.
وقد بدت هذه الموضوعات بعيدة المنال في سبتمبر 1990، إلا أنها أصبحت مقبولة لكثير من المسلمين بعد حين، بل وجدير أن نقول أنها شاعت بين المسلمين.
وهكذا ـ فطالما يلاقى المسلمون الجور والظلم في العالم، سيبقى المسجد هو الحصن الحصين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق