الاثنين، 30 ديسمبر 2013

الثقافة والتغيير، أكبر أحمد، مقال










أكبر صلاح الدين أحمد:   
أستاذ كرسي ابن خلدون للدراسات الإسلامية وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في واشنطن، دي سي.      له العديد من الكتب على الإسلام المعاصر، من بينها:  اكتشاف الإسلام: فهم التاريخ والمجتمع الإسلامي ــ الإسلام وما بعد الحداثة : المأزق والوعد ــ الإسلام اليوم: مدخل مختصر للعالم الإسلامي.
عمل أستاذا زائرًا وزميلًا لمؤسسة ستيوارت في العلوم الإنسانية في جامعة برينستون، وعمل في معهد الدراسة المتقدّمة في برنستون، وفي جامعة هارفارد، وفي جامعة كامبردج بانجلترا. وشغل العديد من المناصب العالية في باكستان، بما فيها مندوب باكستان السامي (سفير) إلى المملكة المتّحدة.
عيّن في مجلس أمناء حوار تطوير المعتقدات العالمي؛ من قبل رئيس أساقفة كانتيربيري. وله العديد من المساهمات الإعلامية في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة.
 وهنا نقدم مقتطفات من كتابه "ما بعد الحداثة و الإسلام – المأزق و الوعد Postmodernism and Islam, predicament and promise"
***


الثقافة والتغيير
                                                                         ترجمة: ياسر شعبان
 
    يعنى هذا الفصل بتناول العلاقة بين الطبيعة المتغيرة للثقافة في  عصرنا بعد الحداثي، وما تكشف عنه فيما يخص المجتمع والسياسة. وستتضح العلاقات المتداخلة لحياتنا بما أقدمه من نماذج بداية من الملابس ثم العظة في  المسجد ثم الفكاهة وفى النهاية الفن والعمارة وجميعها علامات على التغيير.
    وسوف يعكس لنا التباين في الصور حال الوضع الاجتماعي والسياسي للمسلمين المعاصرين وكذلك سيشير إلى تناقضات ومآزق هذا المجتمع.
    وسيتناول كذلك دور الإعلام ـ ووسائل الإعلام ـ في مساعدة التغيير داخل هذا المجتمع وفى النهاية ـ أتناول مخاطر ظاهرة تماهي الحدود الثقافية، وذلك من خلال "مادونا" و"سلمان رشدي" كمثالين.

الجينز لك ـ ولي عباءاتي:
    لقد فشل "الجينز" الأكثر شعبية في الغرب في الانتشار بين الأقطار الإسلامية، وهذا الفشل جدير بأن يمدنا بمفاتيح هامة لحل كثير من ألغاز المجتمع الإسلامي وثقافته. ففي الغرب يمثل "الجينز" انهيار التمايز الطبقي، وهو سهل في ارتدائه لأنه لا يحتاج إلى الكي أو التنظيف، وكذلك يصلح كمؤشر لمتابعة زيادة الوزن وحالة الجسم.
    وإذا ما جارينا الإعلانات فإن الجينز ليضفي هالة من الجاذبية الجنسية على من يرتديه. ولقد وصفت أغنية (أمريكانوز AMRERICANOS) ؛ أحدث الأغاني المشهورة لـ "هولي جونسون HOLLY JOHNSON)؛ أمريكا بأنها: "أرض الحرية"، "أرض الأفلام والأبطال "، "أرض البلو جينز BLUE JEANS" وهكذا فإن اختيار "الجينز" كرمز شعبي لأمريكا لهو اختيار مهم من الوجهة السيميوطيقية. وتتفاوت الأسباب التي أدت إلى فشل "الجينز" في الأقطار الإسلامية باستثناء الشباب الصغار المستغربين..
    وأول هذه الأسباب "العقيدة" فالإسلام محدد فيما يخص احتشام الرجال والنساء ولذا فإن الرداء الذي يكتسب أناقته من التصاقه بالجسد وكشفه عن مفاتنه إنما ينتهك مثل هذه الوصية: "الاحتشام".
    وبالإضافة إلى هذا ـ فإن وضع السجود في الصلاة بالقدمين مثنيتين تحت الجسد ليتطلب ملابس أوسع، فيما سيؤدي "الجينز" الضيق إلى الضغط على المنطقة القطنية.
    والسبب الثاني ذو طبيعة اجتماعية: فالناس في إفريقيا وآسيا، وبخاصة في المناطق الريفية يفضلون الجلوس لفترات طويلة على السجاجيد أو على الأرض، وعادة ما يتربعون في جلستهم، وهكذا فإن ارتدائهم للجينز سيعرض أعضاءهم التناسلية إلى الإصابة.
    وتشكل "العادات الغذائية" شيئاً آخر، فغالبًا ما يتم تناول الطعام الدسم في وجبة الغذاء. وهذا بالإضافة إلى الحاجة لتجنب الحرارة، مما يدفع إلى الخمول والاضطجاع وقت الظهيرة.
    والرداء الفضفاض لا يحتاج إلى الهندمة، وهذا ما تتميز به البنطلونات "الباجي BAGGY" باتساعها المناسب.
    والنظام الغذائي غير موجود في تدريبات (جين فوندا) للياقة، وكذلك ليس موصوفا للذين يسعون إلى طول العمر، إنما هو أسلوب حياة تكون عبر قرون طويلة.
    وليس المسلمون الأصوليون هم وحدهم الذين يفضلون العباءات والملابس الفضفاضة، فالقساوسة المسيحيون يرتدون مثل هذه الملابس وذلك لأن حالتهم الروحية والأكاديمية تشحذ بمثل هذه الملابس الفضفاضة.
    وفي مقال لـ(أمبرتو إيكو) بعنوان (التفكير القطني LUMBAR THOUGHT) يطرح "إيكو" العلاقة العكسية بين التفكير وضيق الملابس. فرداء يضغط على الخصيتين ليدفع رجلاً إلى التفكير بشكل مختلف. ويعرف كثيرون كم يؤثر الضغط ووجود عوائق في منطقة الحوض على الحالة المزاجية والقدرة الذهنية للمرء، ومن بينهم: (النساء وقت الحيض، ومرضى تضخم البروستاتا، والدوالي، والتهاب المثانة واحتقان الخصيتين.. إلخ).

 
فشل اختيار رابطة العنق:

    ثمة اختبار آخر متعلق بالملابس، ويمدنا ببصيرة نافذة فيما يخص المجتمع المسلم وسياسييه.. إنه "اختبار رابطة العنق".
و إذا كان القادة المسلمون قد ناصروا التحديث والتطور خلال السنوات المبكرة بعد الاستقلال عن القوى الاستعمارية. فشيدوا السدود العملاقة، وشركات الطيران القومية، وخططوا لمشاريع تنموية تتماشى مع النموذج الغربي، ولنأخذ أكثر الأسماء شهرة وكل منها يمثل دولته: ناصر/ مصر، شاه / إيران، أيوب / باكستان، سوكارنو/ أندونيسيا، ورغم أن (القومية) هي ما شغل هؤلاء الزعماء في فترة ما بعد الاستعمار، فإن موقفهم الإسلامي لم يكن حاسماً. فقد أيد "ناصر" القومية العربية، وأيد "الشاه" القومية الفارسية، وأيد "أيوب" حلفي جنوب شرق آسيا SEATO وحلف بغداد SENTO، واقترح "سوكارنو" فكرة "باندونج".
    وبغض النظر عن طبيعة علاقتهم مع الغرب، فإن رابطة العنق قد شكلت سمة بارزة في ملابسهم ؛ لدرجة أن أية صورة رسمية لا تعتبر كاملة إلا في وجود رابطة العنق.
    وقد كان (الشاه وسوكارنو) يرتديان الملابس العسكرية المتكلفة، بينما (ناصر وأيوب) فضلا الملابس المدنية رغم أنهم عسكريون.
    وارتدى الجميع رابطة العنق.
   وبعد جيل ـ فشل القادة المسلمون في اختبار رابطة العنق، حيث أصبحت رمزاً لـ "التمدن MODERNIZATION" ؛ إن لم يكن "الاستغراب WESTERNIZATION ولنظام تفكير ومنظومة قيم وموقف تجاه العالم وكذلك رمزاً على الاعتراف بتقاليد غير إسلامية، والاستسلام لشبكات دعاية غير مسلمة.
    ولنتأمل الآن ثلاثة يمثلون مناطق كبرى للثقافة الإسلامية:
    العالم العربي ـ إيران ـ وحديثاً "جنوب آسيا".
    فنحن لم نر صورة واحدة للملك "فيصل"، "آية الله خومينى" أو للجنرال "ضياء" يرتدي فيها رابطة عنق. وبالطبع تبعهم في ذلك وزراؤهم ونوابهم. وهؤلاء اتسموا ببساطة المظهر؛ وبأن ملابسهم لم تكن غريبة.
    وفى حين كان القادة السابقون يتحدثون اللغات الأجنبية بفخر، فإن هؤلاء القادة يزهون بلغتهم القومية.
    وكانوا لا يمثلون "الهوية الإسلامية" ـ فقط، بل ويلبسون وفقاً للإقليمية. أما هدفهم فكان إعادة توحيد المجتمع الإسلامي.
    ولنتساءل الآن: ما أهمية رابطة العنق؟
  .. أكدوا لي مرات عديدة وأنا شاب مجبر على ارتداء رابطة العنق في المدرسة، أن رابطة العنق أخطر وأمكر مفردة للاستعمار الثقافي المسيحي،وبين لي أصدقائي المسلمين أن رابطة العنق تتدلى مثل صليب حول العنق، وتجذب من يرتديها نحو المسيحية. وربما في هذا تضخيم وعدم دقة، ولكن فعلياً ؛ فإن رابطة العنق بياقتي القميص مُحكمتي الغلق، توحي فعلاً بمنظر صليب بلا رأس.
    وفى هذا ما يثبط همة المتحمسين لرابطة العنق، ويجعلني انتبه إلى الكيفية التي يراقب ويفسر الناس بها الرموز في المجتمع.
    والملك "الحسن" ملك المغرب ـ الذي انفرد بحكم ركن من العالم الإسلامي، واشتهر بـ "حلله" الأوروبية الأنيقة ـ الآن يشاهد دائماً وهو يرتدي العباءات التقليدية.
    والميل إلى هذا مستمر فـ"بنازير بوتو" التي تلقت تعليمها في أكسفورد، وتمثل أصغر الأجيال القيادية؛ أذعنت ــ كرئيسة للوزراء ــ لوجدان المسلمين، وهكذا فإنها في رحلتها الأولى للخارج كرئيسة وزراء؛ وكانت لمكة؛ ظهرت على الملأ وهى تغطي رأسها وتمسك مسبحة في يدها.
    وعلى كل حال، لم تختف رابطة العنق تماماً من دولاب ملابس المسلمين، فلقد اشتهر: الملك حسين "ملك الأردن" وصدام حسين "رئيس العراق" بحللهم وربطات عنقهم الغربية الأنيقة.
    وهناك ارتباط بين ملابسهم وموقفهم السياسي:
    فالأول "ملك مستغرب" والثاني "ديكتاتور اشتراكي". وكلاهما مولع باستعادة ذكريات جيل الرواد من القادة المسلمين، وتحت ضغط ما لوح كلاهما بالراية الإسلامية.
    ولقد ربطت الشائعات، وأكثر قليلاً، القادة المسلمين الأوائل بأسماء نساء معروفات دولياً. وعلى سبيل المثال؛ قيل أن ل "أيوب خان" علاقة سرية بـ"كريستين كيلر" في لندن، وأن لـ"ناصر" علاقة بممثلة هندية تدعى "فيجيان ثيمالا" في بومباي، ولـ"سوكارنو" بعدد لا يحصى من الأسماء.
    ولأنهم شخصيات لها سحر وجاذبية، لذا ليس من الصعب أن تختلق بشأنهم علاقات غرامية.
    وحقيقة، في منتصف الستينات، كنت مثل بقية الطلبة الباكستانيين الذين يدرسون في إنجلترا؛ متلهفاً على متابعة تصريحات (مس / كيلر) في الصحف الصغيرة، وذلك وقت أن ساهمت في إسقاط حكومة المحافظين وذكرت، مرة، ما كان بينها و"أيوب" في حمام السباحة.
    وبعد عام (1975)، لم يعد دخان الفضائح الجنسية مصاحباً للقادة المسلمين بل أصبح من الصعب مجرد تصور "الملك فيصل" أو "آية الله خوميني" أو "الجنرال ضياء" بجوار حمام السباحة مرتدين المايوهات.
    ونبذوا كذلك المشروبات الغربية، مثل الـ"ويسكي"، والتي كثيراً ما دعمت عدداً كبيراً من الزعماء المسلمين الأوائل خلال صراعهم القومي الشاق. أما الجيل الحالي من القادة المسلمين، فيعتبر (المسجد) أفضل مكان يقضون فيه وقتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق