المواجهة والصدام
نتناول الآن المواجهات الكبرى بين الإسلام والغرب.
وفى سبيل تحقيق ذلك سنقدم مراجعة متعمقة تلقى الضوء على حالة تبادل الكراهية الفطرية
فى الوقت الحاضر بين كلا الجانبين. وسوف نبحث مسألة الميراثالاستعماري الأوروبي ؛
ثقافياً وسياسياً ؛ وأثره على المسلمين.
وسوف أركز على جنوب آسيا لأنها تعد مسرحاً لأكثر
المواجهات وضوحاً وتشويقاً ؛ بين أوروبا وآسيا من جهة وبين المسيحية والإسلام. وسوف
يفسر هذا بعض التناقضات في المجتمع المسلم التي تخلقت خلال تكوين "الحداثة"
فى هذه المجتمعات.
وعند تعاملنا بمزيد من التقدير مع عمليات التحديث
التى شكلت هذه المجتمعات ؛ سنصبح قادرين على استحضار سماتها بعد الحداثية بوضوح وجرأة.
فالتجاور وتخليق ثقافات متنوعة ؛ التهكم والاستهزاء ؛ جميعها تنتمي لما بعد الحداثة.
وكذلك الحال بالنسبة لرفض المراكز السياسية القوية والمطالبات الصاخبة للاعتراف بالجماعات
الأهلية. وسوف نستكشف ونتحرى كلاهما فى هذا الفصل ولكن فى البداية سنعلق على المواجهة
التاريخية بين الإسلام والغرب والاهتمام بأمر هذه المواجهة ليس من قبيل التخدير ولكن
لأنها مركزية بالنسبة لفهمنا لهذه العلاقة.
الإسلام والغرب: مواجهة
ثالثة من النوع المغلق
يروى "إدوارد جيبون" حكاية سمجة عن
المسلمين وذلك فى كتابه (انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية) إنه عندما خرج المسلمون
الأوائل من شبه الجزيرة العربية فى القرن السابع ووصلوا إلى الإسكندرية أرسلوا إلى
الخليفة يطلبون منه التعليمات الخاصة بالمكتبة المركزية الشهيرة "مكتبة الإسكندرية".
وأجاب الخليفة بما يلى: (إذا كانت الكتب متفقة مع القرآن فهى غير مهمة ويمكن تدميرها
؛ أما إذا كانت تتعارض مع القرآن فهى كتب خطيرة يجب تدميرها) وبالطبع هذه قصة مشكوك
في صحتها ؛ وحتى "جيبون" شكك فى ذلك. ورغم هذا فهى تمهد لتكوين صور سلبية
عن الإسلام في فترة مبكرة تاريخياً ؛ وتخبرنا كيف كان غير المسلمين يرون المسلمين وكذلك
كيف أن المسلمين غير قادرين على إدراك الطريقة التي ينظر العالم بها لهم.
النقطة العمياء بالنسبة للمسلمين ؛ وهى عدم القدرة
على إدراك كيف يراهم الآخرون ؛ خلقت تاريخاً شعورياً مزيفاً من الاعتداد بالنفس فى
المجتمع الإسلامي.
وعلى كل ـ فصور المسلمين فى التليفزيون والصحف
والموت فى عيونهم ؛ والكتب المحترقة فى "برادفورد" ليست اختلاقاً خيالياً.
ويضيف البعض لحادثة "برادفورد" ما يلى:
ـــ قتل الليبيين لرجل
بوليس فى لندن.
ـــ اختطاف الفلسطينيين
لطائرات ركاب.
ـــ حصار الإيرانيين للسفارات
الأجنبية.
ـــ تفجيير الأندونيسيين
لمعبد "بوروبادار" فى جزيرة جاوة.
وهذه رؤية (ف . س .
نايبول) للإسلام؛ والمشار إليها فى أماكن أخرى : (الغضب والحماسة هى ما رأيته
.. المسلمون مخبولون بإيمانهم المشوش) ـ بين المؤمنين؛ رحلة إسلامية؛ 1981 ـ
ولكن كان هذا هو موقف "نايبول" فى وقت
مبكر. فبعد عشر سنوات بدأ يلين فى هجومه على الإسلام والهندوسية فى الهند. ـ مليون
تمرد الآن 1990 ـ
وتنبثق هذه الصور؛
جزئياً؛ عن فهم منقوص للإسلام بين غير المسلمين ؛ وكذلك عن فشل المسلمين فى التعبير
عن أنفسهم. وكثير من الصور السلبية عن الإسلام لا ترتكز على حقيقة أو سبب. ولكن كما
قال "جونسون": "التحامل لا ينهض على حجة لا يمكن دحضها بالنقاش".
المواجهة الحالية بين
الإسلام والغرب:
تعد حادثة إحراق الكتب فى (برادفورد) بمثابة المواجهة
الحالية بين الإسلام والحضارة الغربية لأنها تكشف عن الفجوات الشاسعة فى الفهم بين
الجانبين : العنف والعاطفة المشبوبة فى جانب ؛ وجدار عدم الفهم على الجانب الآخر .
وتشمل المواجهة بالإضافة إلى الأسئلة الخاصة بالمعتقدات والممارسات الدينية ما يتعلق
كذلك بالقوة والسياسة. حضارة كاملة هى ما تشتمل عليه هذه المواجهة.
وعلى السطح ــــ تبدو
الحضارتان قويتين وواثقتين.
ولنأخذ كمثال الحضارة الإسلامية : فهي تتكون من
حوالي أربع وأربعين دولة (تصل إلى خمسين عند إضافة الجمهوريات السوفيتية بآسيا الوسطى)
وتعداد سكانها حوالي بليون نسمة (ويميل المسلمون إلى زيادة هذا العدد) وحمى الثورات
السياسية فى كشمير ؛ الجانب الغربي ؛ و آسيا الوسطى تشير إلى حيوية هذه المجتمعات.
وفى فرنسا حوالي مليون مسجد ومثلها في إنجلترا
(العديد منها كان شققاً وحجرات).
وهناك حوالي ستة ملايين مسلم في أوروبا الغربية
وحدها (ما يزيد على مليون في المملكة المتحدة) وتسهم هذه الأعداد تضخم من أهمية الإسلام
في أوروبا. و بعيدًا عن المجموعات الصغيرة من المسلمين المحليين ؛ فإن معظم المسلمين
مهاجرون أو أحفاد مهاجرين. ولكن النقطة المهمة في هذا الموضوع أنهم جاءوا ليبقوا وهذا
يعنى أنهم أوروبيون.
و تصطبغ المواجهة الحالية
بالمواجهتين السابقتين:
المواجهة
الأولى دامت عدة قرون ؛ وبدأت بظهور الإسلام ووصول جيوشه
إلى (صقلية وفرنسا) ؛ وفترة الحملات الصليبية . وانتهت فى القرن السابع عشر عندما توقف
الزحف العثماني على حدود فيينا.
ولقرون كان التفاعل بين الحضارتين عميقا عند بعض
النقاط وهامشياً عند نقاط أخرى، وخلق فى أوروبا صورة عدوانية للإسلام. وبالعكس ـ كان
لهذه المواجهات تأثير طفيف خارج المناطق المسلمة فى الشرق الأدنى والأوسط. ففى الهند
الموجالية أو أندونيسيا ؛ على سبيل المثال ؛ كانت الحضارة الغربية ترى بوصفها بعيدة
ومحايدة حسب ما كان ينقله التجار والبحارة.
المواجهة الثانية ـ في القرن الأخير
ـ أصبح العالم الإسلامي بأكمله تحت السيطرة الاستعمارية للقوى الأوروبية . ويرجع قصر
المواجهة الثانية إلى ضراوتها. فرغم أنها استمرت قرناً ؛ فإن تبعاتها كانت مدمرة ؛
ومازالت بيننا بطرق عديدة حتى الآن. فلقد تأثرت الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية
؛ وجزئيا أصابها التدمير. وتباينت استجابات المسلمين ؛ ومن بينها صعود النزعات القبلية
؛ فمن السودان حيث قاد (المهدى) المقاومة ؛ وإلى (سوات SWAT) حيث حولها (الوالى Akhund) إلى رمز ؛ بدا رد فعل المسلمين متشابهاً.
ومثل هذه الاستجابات الجريئة المشبوبة
؛ وأحيانا الانتحارية ؛ خلقت صوراً رومانسية للمسلم القبلي فى الغرب بوصفه (المتوحش
النبيل) : (البربى في شمال أفريقيا) ؛ (البدوي في الشرق الأوسط) والبتهانى "أفغاني
مقيم في الهند" في شمال الهند.
وعند نهاية المواجهة الثانية ؛ بعد
الحرب العالمية الثانية ؛ عندما بدأت الأمم المسلمة تظهر بوصفها قوى مستقلة ؛ بدأ الاختلاف
يتجلى بين الحضارة الغربية المنتصرة باندفاعها تجاه التقدم ؛ وبين الحضارة الإسلامية
المرهقة والمعذبة بفقدان الثقة المبكر وكذلك فقدان الاتجاه.
فما هي الأهمية التي مازال العالم العربي يمثلها للقوى الاستعمارية الغربية؟ أهم
شيء على الإطلاق هو خلق الحدود السياسية وفقاً للتصور الأوروبي.
والعرب في الشرق الأوسط ؛ على سبيل المثال ؛ لديهم سبب وجيه لتوجيه اللوم إلى الدخلاء
كمتسببين فى مشاكلهم السياسية.
وفى الحقيقة حتى مصطلح الشرق
"الأوسط" يعود لأوروبا ؛ لأنه بالنسبة للهنود نفس المنطقة يمكن دعوتها بـ
"الغرب المتوسط".
ولنأخذ أهم قضية محورية فى السياسة المعاصرة فى الشرق الأوسط : (الصراع العربي
الإسرائيلي) فهو بشكل عام يعتبر مصدراً لكل الشرور التى جلبت من شتى أنحاء العالم إلى
المنطقة. وفى قلب هذا الصراع نجد أصل وطبيعة دولة إسرائيل.
ومن المفيد أن نذكر بأنه فى بداية الحرب
العالمية الأولى ؛ وبرغم مرور نصف قرن على الهجرة من أوروبا ؛ كان عدد اليهود فى فلسطين
حوالي (80 ألف نسمة) مقارنة بعدد العرب الذى كان حوالى (650 ألف نسمة). واليوم انقلب
التوازن الديموجرافى تماماً.
وفى إسرائيل المعاصرة ؛ يعانى العرب
من : الهجمات المتكررة ـ ظلم الدولة ـ حظر التجول الدائم، ويظهر هذا طول الطريق الذي
قطعه البطلان الرئيسيان:
العرب الذين يرون إسرائيل كسرطان زرعه الغرب فى أجسادهم
، و يتأملون حجم الاختلاف الذى كانت ستبدو عليه منطقة الشرق الأوسط إذا ما قبل المجلس اليهودي العرض الإنجليزي ـ فى
عام 1903 ـ بإقامة دولتهم في (أوغندا). وبناءً على هذا يعتبر الغرب بمثابة قوة مؤثرة
فى القضايا العربية.
وحتى بالنسبة لمسلم مثل (الأغاخان)
الذي يتجنب ـ بكثير من الشكوك ـ الجدل السياسى، ويعرف بأنه متعاطف مع الغرب ، سنجد
أنه يهتم بمسألة العلاقة بين الإسلام والغرب. فهو يشعر أن الإسلام بوصفه تهديداً للنظام
؛ وقوى ظلامي ؛ ليس تصوراً بعيداً عن العقل الغربي:
بالنسبة للإسلام الذي يشمل مثل هذه
المنطقة الشاسعة من العالم بهذا التعداد السكاني ، فإن المجتمع الغربي لن يرضى بضعف
معلوماته والمعلومات المغلوطة عن العالم الإسلامي. يجب عليهم أن يبتعدوا عن الفكرة
العامة بأنه في كل مرة ثمة حريق فى الدغل أو ما هو أسوأ من ذلك ؛ كتمثيل للعالم الإسلامي
. وطالما هم من جعلوا هذه الفكرة العامة تمثيلاً للعالم الإسلامي؛ فإنهم يدمرون أنفسهم
وعلاقتهم بالعالم الإسلامي ذاته لأنهم يعيدون إرسال رسائل غير صحيحة. وهذا ما أطلق
عليه (خواءً معرفياً) وهو مؤذ لكل طرف (ـ أحمد 1991 ، الجارديان- ).
والمواجهة الحالية ؛ بكونية الثقافة الغربية وانتشار تقنياتها ؛ تعد من أقوى الهجمات
الضارية على حضارة المسلمين حتى الآن ، وذلك لأنها ليس شكل محدد ؛ وتظهر فى أبعد الأشكال
عن التوقع وفى أكثر الأماكن بعداً عن توقع أن يكون الإسلام مهدداً وعرضة للهجوم.
فقناة الـ (VCR) والتليفزيون لا تحتاج إلى جواز
سفر أو فيزا ، ويمكنهما غزو أكثر المنازل عزوة ، وتحدى أكثر القيم تقليدية. وفيما يخص
شخصيتهما ومنشأهما ؛ كلاهما جزء من الحضارة الغربية. الحضارة الكونية : انتصار الغرب.
فى الحاضر يمثل الغرب بوتقة لكل جديد؛ وذلك بوصفه
ثقافة كونية ؛ كلاً متحداً يستحث على النمو حتى يعرف بما
يطلق عليه التطورات بعد الحداثية ، ونطلق عليها
حضارة "الغرب" لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية ـ ويسيطر
فيها البيض ـ تمثلان جوهرها ؛ بما تقدماه من أفكار واكتشافات تقنية دفعت بهذه الحضارة
للانطلاق. وضمن هذه الحضارة تلعب المملكة المتحدة ـ كما أشرنا سابقاً ـ بوعى دور الإغريق
بالنسبة لـ "روما"/ الولايات المتحدة ؛ بمحافظتها على علاقة خاصة معها. كذلك
تلعب اللغة الإنجليزية دوراً مهماً فى هذه الحضارة.
ومن الناحية الجغرافية
؛ تضم هذه الحضارة دولاً غير غربية مثل (أستراليا وإسرائيل) ؛ وكذلك شعوب غير غربية
مثل "اليابان".
وبعد ظهور "جورباتشوف"
بحث الاتحاد السوفيتي عن مكانه فى هذه الحضارة.
وهناك حضارات أخرى ؛
حتى تلك التي تتميز بتقاليدها الخاصة مثل الهند وجنوب شرق آسيا ؛ سقطت في الإغواء بسعادة.
وإذا كان للشعوب غير الغربية تحفظات جادة على
بعض الاتفاقية / الصفقة ؛ مثل سيطرة أمريكا ؛ سوف يقبلونها لما تقدمه من أشياء أخرى
، مثل : الديمقراطية ؛ حقوق الإنسان ؛ التعليم.
وهكذا فبينما المفكرون الآسيويون العظماء ـ المنتمون
للطبقة الوسطى ـ الهنود من دلهي واليابانيون من طوكيو ؛ يناقشون في قاعة الاستقبال
الآثار الضارة للثقافة الغربية على مجتمعاتهم ، فإن أطفالهم الذين يرتدون الجينز وكاب
البيسبول على رءوسهم ؛ وبالكوكايين فى متناول أيديهم ؛ سوف يخبرونهم أن يتوقفوا عن
هذا الضجيج لأنه يريدون متابعة الحلقة القادمة من (توين بيكس Twin Peaks)
فى التليفزيون.
و يمكن أن يغفر لشخص أفريقي أو آسيوي يعيش فى
قرية ؛ إذا ظن أن الناس فى هذه الحضارة يمكن الاستعاضة عن أحدهما بآخر من حيث ثقافتهم وسمات وسائل الإعلام ؛ وملابسهم وزيجاتهم
وطريقة حياتهم ؛ وذلك لأن البيض جميعاً يبدون متشابهين.
والعلامات الرئيسية هى "النجوم الكونيون"
المعروفون فى أرجاء الكوكب ،فالبرنامج الجماهيري "جيران" في التليفزيون الأسترالي
يمكن إعداده وتقديمه فى أمريكا ؛ وكذلك (حراس الشاطئ) الأمريكي يمكن إعداده في أستراليا.
فالروابط بين الممثلين ـ والأكاديميين ـ عبر البلاد في هذه الحضارة أقرب مما كانت عليه
فى أي فترة من التاريخ، وما يجعل التغير اللحظي في الأفكار؛ الصور؛ القيم؛ ممكناً هو
معجزة الاتصالات الحديثة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
و نحن إذ نستخدم هذه المصطلحات بميوعة و تبادلية:
"الحضارة الكونية"؛ "الغربية"؛ "الدول السبع الكبرى"
؛ "الولايات المتحدة" ؛ "المملكة المتحدة ،بينما كل منها تمثل مجموعة
مشكلات.
أشرنا فيما سبق أن أستراليا تتماثل ثقافياً وعرقياً
مع الغرب رغم أنها جغرافياً لا تنتمي له . و"ألمانيا" ـ ألمانيا الجبارة
ـ لها نصف شرقي ؛ أقل تحضراً ؛ يعوق نموها . وعلى كل ؛ فيما يخص أهدافنا ؛ فإن الحدود
الثقافية بين الدول التي أشرنا لها تتسم بالمرونة لأنها تحتوى على شعوب متنوعة تمثل
الكوكب بأكمله ؛ وقد نصنفها في هيئة الحضارة المهيمنة على العالم.
ويمكن أن نزعم أن "الوضع المركزي" منحته
لهم الأمم المتحدثة بالإنجليزية : الولايات المتحدة ؛ المملكة المتحدة ؛ كندا ؛ وأستراليا.
وبشكل سطحي تقدم هذه
الحضارة بوصفها "استهلاكية" ؛ مخدرات ؛ أزياء ؛ متعة ؛ موسيقى ؛ روك ؛ برامج
تليفزيون ؛ أبطال شعبيين ؛ احتفالات إعلامية.
ولها كذلك مكان مقدس يحج إليه ؛ تمثله "ديزنى
لاند" التى تشبه "الفاتيكان" للكاثوليكيين ؛ و"مكة" للمسلمين
و"أمريستار" للسيخ. ويمكن أن تنسخ "ديزنى لاند" فهناك اثنتان منها
في أمريكا ؛ و واحدة في اليابان ؛ وأخرى في فرنسا (وتلك الموجودة فى اليابان تدعم وجهة
نظري بأن بعض المجتمعات غير البيضاء تحاول اكتساب صفات الغرب في الحضارة الكونية).
وعلى كل فإن "دالاس وديناسيتى" ؛
"ميكى ماوس وإى تى" ؛ "الكوكايين والجينز" جميعها رموز سطحية لهذه
الحضارة .
ويقع في المركز من هذه الحضارة الإيمان بالرأسمالية
والديمقراطية وتتصل بهما قضية " حق النساء في المساواة " .
وفى أفضل صورها: تولد
هذه الحضارة اتجاهاً إيجابياً للحياة: الثقة في العلوم والخصومة الفردية ؛ النقاش الدائم
للتوصل إلى حلول ؛ التفاؤلية ؛ واحترام القانون ؛ أما ارتفاع مستوى المعيشة ؛ والصحة
والتعليم فهى أمور مفروغ منها.
فالنشاط الفكري منتعش بشكل غير مسبوق (ينشر أكثر
من 60000 كتاباً سنوياً فى بريطانيا وحدها).
وإمبراطوريات المستقبل ؛ كما تنبأ المحارب الإمبراطوري
العجوز "تشرشل" ؛ هي إمبراطوريات العقل ؛ وكان ذلك بمثابة تحذير لجمهور
"هارفارد" ؛ صفوة هذه الحضارة ؛ و قد حفظوه فى القلب بلا شك.
وبوصفي معلقاً على المجتمع الأمريكي ألاحظ ؛ موازناً
بين قوته وضعفه:
بلا شك تفاقمت مسألة اضمحلال مستوى التعليم الأصيل
(حسب أحدث الإحصائيات لـ "القراءة ـ الاستيعاب ـ والإدراك" فى مدارس التعليم
بأمريكا ...)
وبلا شك كذلك . فإن الحفاظ على وتعلم فن أو أدب
الماضي يتم إنجازها بإغراق حكومي متزايد . وهكذا أصبحت المكتبات الأمريكية والجامعات
والأرشيفات والمتاحف ومراكز الدراسات العليا ؛ الآن بمثابة سجل لا غنى عنه ومتحف لثروات
الحضارة.( شتاينر 1984 429 ).
ويعتبر وقت الأزمة وقتاً مناسباً للحكم على أية
حضارة. ولهذا فبدلاً من تأمل المنجزات التقنية الغربية أو نجاح الحكومات في تطبيق الديمقراطية
ـ وهى مؤثرة في حد ذاتها ـ لنتأمل استجابات الناس للأزمات السياسية عندما يتعلق الأمر
بالحياة الإنسانية.
فعودة الرهائن (بريان كينان ؛ جاكى ماكارثى ؛
تيرى وايت ؛ تيرى أندرسون) تقدم لنا عدة نقاط أولها المثال الذي تقدمه عن المفهوم الخاطئ
المزدوج الذي حدد طبيعة العلاقات بين الإسلام والغرب. فالمسلمون تساءلوا: لماذا كان
الغرب ثائراً هكذا من أجل بضعة رهائن ؛ بينما آلاف من المسلمين يقتلون أو يهجرون بسبب
مساندة الغرب لإسرائيل؟ وهؤلاء فشلوا في إدراك الأهمية المركزية للفرد ؛ المواطن الواحد
؛ في المجتمع الغربي.
وأدان الغرب المسلمين
بوصفهم برابرة لاحتجازهم رهائن ؛ لكنه لم يربط بين السبب والأثر. لم يدركوا الآثار
العميقة لمظاهر الظلم السياسي التي دفعت المسلمين إلى مثل هذه الأفعال اليائسة والطائشة.
وبلا شك دفع هذا المفكرين المسلمين إلى التساؤل: هل يمكن للإسلام ؛ ومن أسماء الله
الحسنى الرءوف (الرحيم) ؛ أن يدعم أبداً الاختطاف وتعذيب رجل مريض في أواخر السبعينات؟
وهل طريقة القرون الوسطى الشرق أوسطية هذه هي
الإستراتيجية المثلى لحل المشكلات السياسية اليوم؟
بعد ذلك تأتى الكرامة الشخصية والحالة النفسية
للرهائن تحت أسوأ الظروف وأقساها ؛ بالإضافة إلى دفء ودعم ذويهم : بداية من الوزراء
والسفراء الذين ينوبون عنهم ؛ إلى وسائل الإعلام التى تمنحهم الأولوية ؛ إلى المواطن
فى الطريق برفضه أن ينساهم . و يتضح من ذلك
أنه ما زالت هناك ينابيع من المشاعر الإنسانية تحت طبقة ظاهرة من التحلل وانعدام
الإنسانية في الغرب. وبالنسبة لأصغر الرهائن ؛ ولهذا فهو أكثر من سنشعر بالأسى تجاهه
؛ كانت روح المرح و فتنة "ماكارثى" ؛ برغم كل ما عاناه من معتقليه ؛ جديرتين
بالثناء.
وفى لحظة التحرر من
ليل الأسر ؛ كان مثالاً لشخص تفخر به أية حضارة. ولأنه برهان على السمو والفضيلة رغم
القهر ؛ فإنني أحيي "جون ماكارثي". وأحيي كذلك أصدقاءه ؛ وبخاصة "جيل
موريل" و"كريس بيارسون" لعدم استسلامهم أو تخليهم عن الوفاء.
وكان استقبال الناس لهم مشبوباً لحد البكاء..
(بطل بريطاني جداً هكذا كتب "جاميز دالريمبل" في الصنداى تايمز فى 11 أغسطس
1991 وكتب "بيتر ميلار فى نفس الجريدة بتاريخ 29 سبتمبر 1991 "بريطانيون
بحق") البطل المتواضع والواثق في نفسه ؛ المثال الإنجليزي ؛ كان "ماكارثى"
كما يود أن يرى الإنجليز أنفسهم .
و ضمن ما كتبته المجلات
المحلية عن "ماكارثى" وصفها له بأنه الفتى الإنجليزي الذي يستمد قوته ورباطة
جأشه من الريف الإنجليزي الأصيل ؛ وكانوا على حق. ونادراً ما تمدنا الدراما الإنسانية
بنماذج دالة عن مخزون التقاليد والاستقرار
التي ما زالت موجودة في المجتمع الريفي ؛ والتي تصد المد الفاتن لموجة التغيير القادمة
من المدن. وخلال إقامتي في الريف الإنجليزي لاحظت أن معظم القرى ما زالت محتفظة بالهيكل
الاجتماعي ؛ والتقاليد ؛ ونظام المجتمع التقليدي.
وربما كتاب (الخروج من كمبريدج ـ شاير) لن أكتبه
مطلقاً ؛ لكنني أستطيع أن أثبت هذا من خلال نشاط هؤلاء الذين يستمتعون بلعب البولنج
والكريكت فوق الخضرة ؛ ويتعبدون في كنيسة القرية ؛ ويتقاولون في المتجر. وعلى النقيض
من سكان المدن ؛ ما زالوا يبتسمون ويقولوه "صباح الخير".
الآن ـ الحضارة الغربية هى المسيطرة ؛ هي التعبير
الكوني عن الإنسانية . ويتمثل سلاحها الفتاك في "وسائل الإعلام" وبخاصة التليفزيون.
و قط يستشعر الحكام المستبدون والشعوب ما لوسائل الإعلام من تأثير.
ومن يسيطر على وسائل الإعلام يصبح هو المسيطر
، وهنا قد يجاهر "ماكلوهان" باتفاقه مع "بودريار".
والبرهان القاطع على
انتصار ثقافة الغرب ؛ جاء فى أغسطس 1991 فى موسكو : كان "بوريس يلتسين" يسمع
مرة بعد مرة ؛ لأجل الإلهام ؛ أغنية "إلفيس بريسلى": هل أنت وحيدة الليلة
، وذلك خلال الأيام العصيبة في انتظار الإجراءات العسكرية الصارمة لحفظ النظام (راجع
مقال "إلفيس ساعد انتصار يلتسين" ـ لـ "مارتين واكر" في الجارديان
26 أغسطس 1991). ولهذا الانتصار الثقافي تجل آخر فى الكويت عندما أصبح "جورج بوش"
من أكثر الأسماء شعبية للأطفال حديثي الولادة ؛ وذلك بعد حرب الخليج.
وتشتمل بيئة هذه الثقافة وقيمها على الاحتفالات
اللحظية ؛ وينطبق هذا على الداعرة والأميرة ؛ ويتجلى ذلك في الهوس بالإعلام والرغبة فى التحول إلى وجوه كونية
بين يوم وليلة. وتسمح وسائل الإعلام بكل الأنماط العرقية غير المتصورة منذ جيل مضى
: في نهاية 1980 شاعت هستيريا النجم الشعبى الروسى "جورباتشوف" مما أدى إلى
ظهور لفظة جديدة وهى "جوربى مانيا" ـ الهوس بجوربى Gorbymania).
وكان البرنامج الفكاهي الياباني (نادى كازوكو
كاروك Kazuko's Karoke Klub).
موجوداً قبل أن يظهر مشاهدو التليفزيون البريطاني والمصارعون اليابانيون ثقيلو الوزن
فى برنامج يعرض أسبوعياً بانتظام فى بريطانيا ؛ بعنوان: "سومو".
باعت الهندية (باميلا بوردز Pamela Bordes)
أسرارها الجنسية للصحافة البريطانية فتحولت بذلك إلى نجمة إعلانية خلال أسابيع . ويخطط
السينمائيون فى "بومباى" لصناعة أفلام تتناولها بشكل رئيسي. (فى نهاية
1980 طرقت محطة الـ (MPS)
البريطانية ومحررو الصحف بابها ؛ و وضعوا فى كفيها اللزجين مبلغ 500 جنيه إسترليني)
رغم أنه من المشكوك فيه إذا كان هذا ما قصدته "مسز تاتشر" بحديثها عن (الثقافة
التجارية) في خطابها الموجه إلى البريطانيين.
رئيس روسي يتبعه المعجبون وهم يصرخون ويلوحون. إعجاب
جماهيري بالفكاهة اليابانية. ملكة جنس هندية.
وفى الغرب ، منذ جيل مضى ، لم يَكُنْ تصور كل
هذه الأشياء ممكناً. مما يرشح ذوبان الأنماط
العرقية والاجتماعية. وطبيعة عصر ما بعد الحداثة هي ما تجعل هذا الذوبان ممكناً.
وهكذا نجد أن الثقافة الكونية لا تتحدد كلية بالانتماء
العرقي أو باللون ؛ وإنما تؤكد الانتقائية
والكونية اللتين يقرهما ما بعد الحداثيين.
وتعنى الحضارة الكونية أنه في إمكان الحكام المستبدين
أن يهربوا من بلادهم إلى أي مكان في العالم عندما تثور الشعوب ضد فسادهم وظلمهم. وتعني
كذلك ؛ كما يتضح من حالة شاه إيران والرئيس
"ماركوس" ؛ أنهم قد يساقون إلى الموت مبكراً عبر محاكمة قاسية وعبر وسائل
الإعلام التي يبدوا أنها موجودة وقادرة على إصدار الحكم في أي مكان.
وهذه ليست أخبار جيدة للحكام المستبدين ؛ لكنها
طوق نجاة لكل الشعوب المقهورة ؛ وكذلك لهؤلاء الذين يستمتعون بمشاهدة العقوبات القاسية.
نظام عالمي جديد
....؟
رسام خرائط ؛ ذو نظرة تجرؤ على التبسيط ؛ يمكنه
أن يرفض النظام الأخرق لتقسيم الكوكب ـ الذى سيطر طويلاً ـ إلى عالم أول وثان وثالث
؛ شمال ـ جنوب ؛ شرق ـ غرب ؛ .. إلخ وسوف يقسم خريطة العالم بداية من عام 1990 ـ إلى
قسمين رئيسيين:
الحضارات ذات الانفجارات المنتشرة ؛ المتمددة
؛ وفوران الأفكار العلمية والخطط الاقتصادية والطموحات السياسية والتعبير الثقافي.
أما القسم الثاني فيضم أصحاب الانفجار الداخلي
؛ المنغلقين على أنفسهم مع الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحول دون
أية محاولة جادة للمبادرات الكبرى.
والقسم الأول ؛ قبل كل شيء ؛ ينفجر بتفاؤلية ؛
بنظرات مثبتة على المستقبل. أما القسم الثاني فمثقل بتاريخه ؛ بتقاليده ؛ يقينه ؛ وبمشاكله
العرقية والعقائدية.
وحيث أن الحضارة الغربية أو الكوكبية ؛ والدول
السبع الكبرى تمثل جوهرها ؛ هى المثال على القسم الأول ؛ فإن بقية العالم يقع في القسم
الثاني.
وسوف يفكر رسامنا للخرائط عندما يتعلق الأمر بـ
:
جنوب أمريكا، حيث يوجد حكام مستبدون
فاسدون وينتشر التضخم والاضطراب، وإفريقيا بحروبها الأهلية والمجاعات.
وفى القلب من مشكلات جنوب آسيا يقع العنف الطائفي
الأكثر تدميراً ؛ والذي يدفع باستمرار الهند وباكستان إلى حافة الحرب ـ وربما تكون
نووية في المرة القادمة .
وبمتوسط دخل أقل من (400 دولار) للفرد ؛ تظهر الصين
مشلولة في ظل قيادة شائخة وركود اقتصادي ؛ ولقد نجح الاتحاد السوفييتي في الخروج من
هذا الموقف ؛ لتجد نفسها محملقة في التحلل والحروب الحضارية.
والأمم المنفجرة داخلياً ؛ ليس لها موقف جاد يمكنها
من التحدي أو تقديم بدائل معقولة للحضارات المنفجرة خارجياً ؛ فيما يخص الزعامة العالمية.
فقط العالم الإسلامي يمكنه تقديم رؤية كونية تدعمها
القوة بحثاً عن دور على المسرح العالمي ؛ ويمكنه أن يفعل ذلك بطرق شتى:
ـ إما بتصدير العنصر
اللازم لإدارة المحركات فى الغرب.
ـ أو بإنتاج قادة (من
القذافى إلى الخومينى إلى صدام) تتحدى أفعالهم الغرب من خلال مخططات محلية أو حتى كونية.
ـ أو بواسطة الـ (عشرة
ملايين) مسلم الذين يعيشون فى الغرب.
وهكذا تبدو الحضارة
الإسلامية وحدها قادرة على الانفجار الخارجي والداخلي.
تاريخياً انطلقت الحضارات
الغربية من أوروبا واقترنت بالموت والدمار : بداية من الحملات الصليبية (وعادة ما تربط
بالمذابح الجماعية الوحشية لليهود ؛ والتي وضعت القاعدة للطريقة التي عالجت بها أوروبا
مسألة الأقليات) ؛ وحتى القرن السادس عشر عندما تخلصت أوروبا من السكان الأصليين أصحاب
الأصول الكاريبية.
و هناك الآثار المدمرة
في إفريقيا من جراء تجارة الرقيق والترحيل في سفن الموت ؛ إلى إبادة القبائل الأصلية
في كل من أستراليا والولايات المتحدة.
وجدير بالذكر أنه خلال
الحربين العالميتين فى هذا القرن كانت الحضارة الأوروبية تتقاتل فيما بينها ولا يوجد
شيء في هذا العرض سبق أن شوهد من قبل. فالحضارة الغربية أحاطت العالم كله بجنون الحرب
؛ التي تسببت في قتل الملايين والملايين ؛ وفى تدمير ـ بل ومحو ـ أمم بأكملها.
وما زالت آثار الانفجار الإمبريالي الأوروبي في القرنين
الثامن عشر والتاسع عشر ؛ ملازمة للمجتمعات التقليدية في إفريقيا وآسيا. فلقد شوهت
أوروبا ما لم تستطع تدميره. وذلك رغم أنهم بالفعل جلبوا الكهرباء والتليفون وخطوط السكك
الحديدية.
وبدا الأوروبيون متغطرسين
رغم مشاركتهم المفيدة.
ويجب أن تتوجه المستعمرات بالشك إلى الإنجليز
لأنه جاءوا بلغتهم معهم ؛ بالإضافة إلى نزواتهم السياسية ولعبة الكريكت.
لكن الترحيل وأسلاك الكهرباء التي تطوق القرى
والتحولات الثقافية، جميعها كانت جزءاً آخر من الميراث الاستعماري.
وعندما رحلوا ـ رسم الأوربيون حدوداً ملتبسة لابتداع
الدول وأحياناً كانوا يقسمون القبائل والقوى إلى قسمين. وفي إحدى الحالات ـ اشتركت
الهند وباكستان في خط سكة حديد واحد: كان الرصيف يقع فى بلد ومكتب التذاكر في البلد
الآخر.
وكثير من مشكلات الشرق الأوسط وجنوب آسيا ترجع
مباشرة إلى تلك المحاولات الطائشة والتخيلية لبناء دول.
والولايات المتحدة ؛ حسب ادعائها بأنها ليس بلا
ماض إمبريالي ، فهي أعظم دولة ديمقراطية في العالم ، وهذا صحيح . والمواطنون الأمريكيون
في حياتهم الخاصة غالبا ما يتميزون بالدفء والاهتمام بالآخرين. ولكن في دورها كبطل
للغرب والذي تلعبه من منتصف القرن العشرين حتى الآن بدأت أمريكا تكتسب كل السمات التاريخية
والسيكولوجية والجيوبوليتيكية (الجغرافي ـ سياسية) للقوة الإمبريالية : روما الإمبريالية
فى التاريخ القديم ؛ وأوروبا الإمبريالية في التاريخ المعاصر.
ورؤى النظام العالمي الجديد ؛ التي ترسل الجنود
إلى كل مكان في العالم لتدعيم هذا النظام ولتوفر المساعدة للدول الأخرى فى مواجهة كل
نشاط إنساني ـ تقريباً ؛ تعد علامات إمبريالية (وإن شئت ـ علامات إمبريالية جديدة).
وربما تمانع الولايات المتحدة في انضمام
"روما" إلى النادي الإمبريالي ؛ لكنها بلا شك ستؤيد الرومانيين وغيرهم.
وأفعال أمريكا عندما تتعامل مع الشعوب غير البيضاء
؛ لها أصداء تاريخية مشئومة لا توحي بالثقة":
ـ من معالجة مسألة
"الهنود الحمر" في القرن الماضي ينطلق الصوت الأول.
ـ هيروشيما وناجازاكي
1945
ـ النابالم وحقول الألغام
في فيتنام 1960م
ـ الرعب في حرب الخليج
عام 1991 م
وكل ما سبق يعد تتابعاً
منطقياً.
ويعتبر الشعار والوعد بـ (جندي أمريكي مثالي)
قادر على قذفهم إلى العصر الحجري ؛ بمثابة خطاب فلسفي أكثر منه انعكاساً للتقليد التاريخي
والثقافي.
وتتميز كل مرحلة وكل
هجوم بتطور واضح فى التسليح . فالسلاح يأتي ليمثل الطبيعة الملحمية للانتصار:
ـ في النصف الثاني من
القرن التاسع عشر: استخدمت أسلحة (كولت 45) ؛ (وينشستر 73) وهي مدافع رشاشة وبنادق
آلية.
ـ في منتصف القرن العشرين
استخدمت القنبلة النووية ضد اليابانيين.
ـ في نهاية هذا القرن
استخدمت أحدث الأسلحة التكنولوجية ضد العراقيين.
والحقيقة أن العدو لا يحوز نفس السلاح ؛ وبالتالي
يفقد ميزة أن يكون له دور في نتيجة الصراع. والقول الإمبريالي الفصل في مسألة (بندقية
ماكسيم) يتلخص بوضوح وأمانة في : (الرجل الأبيض امتلكها ؛ والمواطن المحلى لم يمتلكها).
لكن لا رحمة أو شفقة يمنحها المنتصرون ؛ لأنها
تسهم بالقيل فى جعل المنهزمين يتقبلون الهزيمة.
وبالتحديد ـ ساعدت الثورة ضد هذه الفلسفة فى خلق
حركة عدم الانحياز في الدول النامية بعد الاستقلال. فولاء القادة الأفارقة والآسيويين
مثل ناصر ونهرو وسوكارنو ؛ الذين أملوا في تجنب السقوط في فخ الانتماء إلى معسكر إحدى
القوى العظمى ؛ وجدوا أنفسهم قد وقعوا في شرك ـ بدرجات مختلفة ـ المواجهات الكوكبية.
.......................................................................................................................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق