دون دليلو: 20 نوفمبر 1936، كاتب أمريكي من أصول إيطالية. وتقدم
أعماله صورة تفصيلية للحياة الأمريكية في القرن العشرين وبداية القرن الحادي
العشرين. من رواياته: "أمريكانا"، " الأسماء"، " عالم
سفلي".
الشخصية
الأمريكية مصابة بالبارانويا
ورواياتي
محاولة لفهمها
دون دليلو
ترجمة: ياسر شعبان
"
أعيش في أمريكا وأحاول أن أفهمها ... " بهذه الجملة يعبر "دون
دليلو" عن علاقته بالمجتمع الأمريكي الذي يعيش فيه ويحمل جنسيته .
ويرى
النقاد الأمريكيون الآن أنه جدير باعتلاء قائمة الكتاب الأمريكيين الكبار ، لأنه
رغم أصوله الإيطالية استطاع أن يغوص بأعماق المجتمع الأمريكي متعدد المستويات
وينفذ إلى داخل الشخصية الأمريكية شديدة التعقيد ، عبر رواياته العشر "بداية
من رواية "أمريكانا" ومروراً بروايته الفريدة "عالم سفلى"
وانتهاء بأحداث رواياته "كوزموبوليس" .
أما
"دون دليلو" فيرى أن تغييراً كبيراً قد
أصاب الهوية الأمريكية مع بداية القرن الحادي والعشرين ، أصبحت معه كلمة
"أمريكي " تعني أن تكون قلقاً كما لم يسبق لك قط . ويرجع "دليلو"
ذلك التغير إلى أن الخطر قد اصبح الآن أكثر تحديداً ، فالعالم لن يتم تدميره كما
كان الحال أثناء الحرب الباردة ، ورغم ذلك فإنك لا تشعر بالأمن في الطائرة أو
القطار أو المكتب.
-
سيد "دليلو" يقولون إن رواياتك تمتلئ بالنظريات الغريبة فأنت تقدم
لقرائك عالماً لم يروه قبل ذلك أبداً ، كذلك يرى الشباب من قرائك أن موقفك يتسم
بالبرود الجميل . فهل تهتم بالصورة التي يراك الناس عليها؟
لا
أهتم بما يظنه الآخرون بي لكنني لاحظت مؤخراً أن المزيد من الناس يرغبون في الحديث
معي.
ومنذ
صدور روايتي "العالم السفلي" في الولايات المتحدة ازداد هذا الموقف
صعوبة. ولحسن الحظ لا يستطيع أحد أن يتعرف على في شوارع نيويورك .
-
نادراً ما تسمح بإجراء حوارات معك ، كما أنك لم تظهر أبدأ على شاشات التليفزيون .
ولهذا حللت ثالثاً في قائمة "الكتاب المنعزلين" والتي نشرتها صحيفة
"انترتايمنت ويكلي" – وذلك بعد الكاتبين "توماس بينشون" و
"ج.د. سالينجر" فمما تخاف؟
لا
شئ فقط أريد الحفاظ على القليل من العقلانية، فالتليفزيون يستهلك الأشياء التي
يعرضها ، ويحل محل الواقعية .
-
من بين الألف مشاهد الذين تابعوا واحدة من ندواتك النادرة في "سان
فرانسيسكو" يريد مشاهد أن يسمع تفسيرك لروايتك "العالم السفلي"
والتي تقع في "700 صفحة" وذات حبكة متشعبة ، فأين بالتحديد يوجد هذا
العالم السفلي ؟
في
أنفاق نيويورك ، وفي أي من المواقع السرية العسكرية ، وفي الصحراء وغيرها من
الأماكن حيث توجد النفايات النووية . كذلك تعتبر حجرة البدروم التي التقى فيها
"نيك شاي" أحد شخصيات الرواية – صديقه وأطلق النار عليه ؛ تعتبر بمثابة
عالم سفلي.
وعندما
أدركت أن كلمة "بولتونيوم Plutonium " مشتقة من كلمة "بلوتو Pluto"
– رب الموت وسيد العالم السفلي – عرفت أي عنوان سأختار
لكتابي . تأكيداً للقنبلة الذرية دور ضخم في روايتي ؛ فالرواية بمثابة تاريخ سري
لأمريكا خلال الحرب الباردة .
-
تبدأ الرواية بمباراة بيسبول شهيرة بين فريقي "نيويورك جاينتس"
و"بروكلين دودجرز" والتي جرت أحداثها في الثالث من أكتوبر 1951 ، بينما
انتهت بانفجارات لقنابل ذرية. فما العلاقة بين الرياضة والقنبلة الذرية .؟
العلاقة
هي "قوة التاريخ" فلقد تصادف أن عثرت على مقال قديم في مجلة
"نيويورك تايمز" أثناء بحثي عن
مقال عن لعبة البيسبول حول انفجار لقنبلة ذرية روسية ، وكان المقالان متتابعين
بالصفحة الأولى . وشعرت بأن لعبة البيسبول تعد ما تبقى من أحداث مشهورة يشترك جميع
الأمريكيين في تذكرها . وذلك قبل أن تأتي الكوارث لتهيمن على وعيي وذاكرة
الجماهير.
- أي شئ تاريخي في هذه اللعبة ؟
قام
أحد لاعبي فريق "نيويورك جاينتس" ويدعى "بوبي تومسون" بتأدية
ضربة عابرة حققت لفريقه الفوز ببطولة دوري أندية العالم في اللعبة. كان حدثاً
خاطفاً ، ففي كسر من الثانية انتهى الحدث ويعني ذلك أن التاريخ تحتويه لحظة عابرة
. ومؤخراً التقيت "بوبي تومسون" وهو الآن في الرابعة والسبعين ، ومازال
الناس يذكرونه بهذا الحدث ، بل إنهم يذكرون الملابس التي كانوا يرتدونها عندما
عرفوا بالنتيجة التي انتهت المباراة بها .
واليوم
يكرر التليفزيون عرض مثل هذه الأحداث ، يتكرر ذلك إلى أن يصل الحال لأن تفقد قوتها
بعد ساعات عرضها.
لكن
هذه اللعبة حفرت في ذاكرتنا تماماً مثلما حدث مع صورة "عيش الغراب"
للسحابة النووية .
-
يوجد في الرواية فيلم للمخرج الروسي "سيرجى أيزينشتاين" ومن المرجح أن
تكون قد استعرت عنوان هذا الفيلم للرواية. فهل لفيلم "عالم سفلي" وجود
في الواقع ؟
لا
، ولكن أثناء الكتابة شعرت بضرورة أن يكون لروسيا وجود في الكتاب . ولا تسألني عن
السبب . فلقد كان هناك المزيد من العوالم السفلية التي تنفتح أمامي وتدفع بنفسها
إلى الكتابة.
-
يبدو التاريخ لك مجرد لعبة ، ولذلك لا يعرف القارئ أبداً الحقيقة من الزيف.
يجب
أن يكون الكاتب قادراً على ملء الفجوات التاريخية . ففي روايتي Libra تقوم مجموعة من المتآمرين بقتل
" جون. ف. كنيدي" رغم أنني لا أعتقد أن الأمر كان كذلك.
-
للجريمة دور في روايتك "عالم سفلي" كذلك فالفيلم الذي قام أحد المراهقين
بتصويره خلال اغتيال كنيدي لاقى إعجاباً وأصبح نموذجاً يحتذى.
يعتقد
كثيرون أن التكنولوجيا قادرة على تسليط الضوء على الزوايا المظلمة للماضي. ومؤخراً
قامت شركة خاصة بشراء الحقوق المتعلقة بهذا الفيلم ، وقام خبراء بدراسة محتويات
هذا الفيلم لاكتشاف ولو حتى ظلال المعلومات.
ــ هل
هناك فيلم عن مباراة البيسبول التي دارت في الثالث من أكتوبر عام 1951؟
هناك
فيلو تسجيلي بالأبيض والأسود ، وذلك مما يزيد من قيمة هذا الفيلم . كذلك لم يعرض
كثيراً كما هو الحال الآن ، إن ثقافتنا تتمحور حول الاستهلاك والذي يحول كل
شئ إلى نفاية في النهاية.
وربما
لهذا السبب يعمل كثير من الكتاب الحاليين على الماضي ، فالحاضر سريع الزوال.
-
يحب قراؤك هذا النوع من التحليل . ففي روايتك "عالم سفلي" زعمت بأن
تصنيف القمامة طقس من طقوس المتمدنين ليتغلبوا على مخاوفهم ؟
ألتقط
هذه الأشياء لتظهر ثانية في كتبي من خلال الشخصيات ، وآمل أنها بهذه الطريقة لا
تبدو مفرطة الأكاديمية .
- ربما تستطيع أن تفسر لنا واحدة من جملك وهي
"كل التكنولوجيا تحيل إلى القنبلة"؟
ما قصدته كان ما
يلي :القنبلة وما تصاحبها من قوة هائلة ، تعد بمثابة الأب الروحي للتكنولوجيا .
هناك
مشهد في رواية "عالم سفلي" يتم فيه وصف بضائع منزلية تعود إلى الخمسينات، والتي بمرور الوقت حملت بطاقات صفراء مدون عليها "سهل الكسر" .
وهكذا
نشعر بانبعاث الخطر من هذه الأشياء البريئة ، وفي عالمنا كل شئ يبدو ذا علاقة
بالقنبلة ، ولهذا أعتقد أن للتكنولوجيا بعداً ميتافيزيقيا ، ولقد بدأت أتفهمه
ببطء.
-
في واحدة من ندواتك الحديثة قال أحد الحاضرين أنه استخدم روايتك "عالم
سفلي" ككتاب تاريخي ، ألا يمثل ذلك خطراً ؟
تستطيع التعامل
مع الكتاب بوصفه تاريخاً ثقافياً فلقد وضعت في الرواية تعبيرات عامية من الخمسينات
والستينات والتي لم يعد أحد يستخدمها بعد الآن ، كذلك جعلت للغة الحديث إيقاعاً-
"لكنة"- "إيطالي – أمريكي" والذي استعرته من عائلتي التي عشت
معها في "بورنكس" .
- هناك نقاش
محتدم بين قرائك حول نظريات التآمر في روايتك "عالم سفلي" فلقد زعمت
فيها أن جيش الولايات المتحدة استخدم جنوداً في اختبارات تعرضوا فيها للإشعاع دون
علم أو موافقة ، كذلك زعمت أن الحكومة تشرف على معسكرات تدريب
– في مكان ما
بالصحراء– لأشخاص يتمتعون بقدرات خارقة. ألا تخشى أن يأخذ الناس كلامك مأخذ الجد ؟
سيكون ذلك شيئاً
طيباً . فالقراء يستطيعون التعامل مع الأعمال الأدبية كيفما شاءوا.
بالإضافة غلى أن
هذه الجمل صحيحة وواقعية ، نعم أجرى الجيش الأمريكي تجارب إشعاعية على الجنود
وأعتقد أن البنتاجون يقوم بتمويل تدريبات لأشخاص يفترض أمتلاكهم لقدرات خارقة.
ــ "التاريخ
محصلة لكل الأشياء التي لم يخبرونا بها" هكذا كتبت في روايتك Libra ، ويبدو لي ذلك نوعاً من
"البارانويا" .
هناك العديد من الأشخاص
الطبيعيين تماماً يعتقدون ذلك. فكل حكومة تخفي أشياء عن مواطنيها ، ومثلاً تسبب
اغتيال كنيدي في إلقاء الضوء على روابط غريبة ، أشياء لم يحلم بها أحد .. وأدى ذلك
بعديد من المواطنين إلى الارتياب .
وهكذا منذ عام
1963 أصبحت البارانويا جزءاً من الحالة النفسية الأمريكية.
وربما تكون
"البارانويا" قد تراجعت قليلاً في بعض المراحل ، لكنها الآن عادت قوية
للغاية . ويعتبر الإنترنت أحد مصادرها ، فالتكنولوجيا دائماً عرضة للشك والريبة.
- أنت تبدو مثل
واحد من غريبي الأطوار في المسلسل التليفزيوني " الملف إكس".
فقط أنا أقوم
بتوظيف الاتجاهات الثقافية المحيطة بي. فمن المستحيل أن تكتب رواية عن أمريكا خلال
مرحلة الحرب الباردة دون أن تستخدم عنصر البارانويا والمؤامرة.
فاليوم توجد
ميليشيات في جنوب الولايات المتحدة تحسباً لقيام قوات الأمم المتحدة بالاستيلاء
على الحكم ، وهناك أشخاص آخرون ينتمون إلى إحدى الطوائف التي تدعو إلى انتحار
الجماعي لأنهم يعتقدون أن المسيح قادم لتخليص أرواحهم. وهكذا يتجلى أن الكتاب لا
يبتدعون ذلك فهو موجود ويحدث.
-في "عالم
سفلي" تصف متاجر يشترى منها الزبائن نفايات مجمدة للمشاهير. هل هذه رؤيتك
للولايات المتحدة في الألفية القادمة ؟
أعتقد أنها محصلة
منطقية لصراع القوى في هذه الثقافة . وأفكر في متجر أخر يقدم أشرطة لتسجيلات غير
مشروعة للمحادثات التليفونية وبالفعل تستطيع أن تحصل على مثل هذه التسجيلات من
الإنترنت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق