باتريك زوسكيند.. عن العطر والحب والموت
ياسر شعبان
باتريك زوسكيند Patrick Süskind (ولد في 26 مارس
1949) في مدينة أمباخ الواقعة على بحيرة شتارنبرج في
منطقة جبال الألب في الجنوب الألماني. ودرس التاريخ في ميونخ.
وكان والده فيلهلم إيمانويل زوسكيند كاتبًا ومترجمًا ومحررًا
في صحيفة زوددويتش تسايتونج Süddeutsche Zeitung، وكذلك كان أخوه الأكبر
مارتين زوسكيند يعمل صحفيًا.
بعد أن حصل باتريك على الشهادة الثانوية درس التاريخ في
جامعة ميونخ، في الفترة من عام 1968 حتى 1974. التحق بأعمال في أماكن
مختلفة، وكتب عدة قصص قصيرة وسيناريوهات لأفلام سينمائية.
وهو معروف بأنه يفضل العزلة بعيدًا عن أضواء الشهرة نادرًا
ما يدلي بتصريحات أو يسمح بإجراء حوارات معه، وكذلك رفض قبول جوائز أدبية منحت له،
مثل جائزة توكان. وفي ليلة
العرض الأول لفيلم العطر Das Parfum المأخوذ عن روايته، لم
يحضر زوسكيند. وفي الحوار الذي كتبه لفيلم روسينى Rossini، يصور زوسكيند حياته
الخاصة بطريقة ساخرة: فشخصية الفيلم، وهو كاتب, يرفض أن يتقاضى أجرا كبيرا مقابل
تحويل كتابه إلى فيلم. حتى أنه لاتوجد له صور فوتوغرافية إلا نادرًا.
وفي عام 1987 حصل زوسكيند على جائزة جوتنبرج
لصالون الكتاب الفرانكفوني السابع في باريس.
وهو يعيش حاليا ما بين ميونخ وباريس متفرغًا
للكتابة.
وتُعد رواية العطر Das Parfum من أشهر أعمال باتريك
زوسكيند، وقد ترجمت إلى حوالي 46 لغة من ضمنها العربية، وبيع منها ما يقرب من 15
مليون نسخة حول العالم، وحولت في عام 2006 إلى فيلم سينمائي أخرجه المخرج
الألماني توم تايكوير، وقد
اشترى داستن هوفمان حقوق الراوية لتحويلها إلى
فيلم سينمائي ب 10 ملايين يورو.
كذلك اشترك زوسكيند في كتابة العديد من المسلسلات
التلفزيونية, والأفلام مثل "عن البحث عن الحب وإيجاده".
وكانت بداية شهرة زوسكيند في عام 1981, حين عرضت مسرحية
"عازف الكونترباس" Der Kontrabass، وهي مونودراما من فصل
واحد، وقد عرضت في الموسم المسرحي لعامي 1984\1985 أكثر من 500 عرض، وتعتبر بذلك
أكثر المسرحيات عرضا في تاريخ المسارح الناطقة بالألمانية، وتعتبر كذلك من أهم
المسرحيات في المسرح العالمي.
ومن أعماله "عازف الكونترباس 1981"، "العطر
1985"، "الحمامة 1987"، "ثلاث قصص 1995"، و"عن الحب
والموت 2006".
وهنا نورد مقتطفًا من أحدث كتبه "عن الحب
والموت"، الصادر عام 2006، والذي قال الناشر عنه ما يلي:
يكشف كتاب "عن الحب والموت" عن النبع الخفي لقصه الساحر؛ ويتمثل ذلك في الهوس بالرابط الإيروتيكي بين الحب والموت. وخلال هذا التفكير المثير للتأمل حول العنصرين الرئيسين للوجود الإنساني، يرسم ببراعة مشاهد تتراوح بين ما رآه الكاتب بعينيه من علاقة حميمة بين شابين بإحدى السيارات في أثناء إشارة مرور مزدحمة، وبين أدب توماس مان واكتشافه للحب المحرم في السن المتقدمة، وبين التناول الأسطوري كما في القصص التي يتداخل فيها الحب والموت مثل قصة "أورفيوس".
يكشف كتاب "عن الحب والموت" عن النبع الخفي لقصه الساحر؛ ويتمثل ذلك في الهوس بالرابط الإيروتيكي بين الحب والموت. وخلال هذا التفكير المثير للتأمل حول العنصرين الرئيسين للوجود الإنساني، يرسم ببراعة مشاهد تتراوح بين ما رآه الكاتب بعينيه من علاقة حميمة بين شابين بإحدى السيارات في أثناء إشارة مرور مزدحمة، وبين أدب توماس مان واكتشافه للحب المحرم في السن المتقدمة، وبين التناول الأسطوري كما في القصص التي يتداخل فيها الحب والموت مثل قصة "أورفيوس".
*******
عن الحب والموت
باتريك زوسكيند
ت: ياسر شعبان
إذا لم يسألني
أحد عنه، عندئذ سأعرف ماهيته، ولكن إذا سألني شخص ما عنه وحاولت أن أشرح له، عندئذ
أكون جاهلًا به.
القديس
أوجسطين ـ اعترافات
إن ما قاله
القديس أوجسطين عن الزمن ينطبق تمامًا على الحب. فكلما كان انشغالنا به
أقل، كان أكثر حضورًا، أما إذا بدأنا بتأمله كموضوع، فسنجد أنفسنا في ورطة كبيرة. ويتأكد
هذا الوضع الفضولي من التساؤلات بحقيقة أنه منذ فجر التاريخ الثقافي، ومنذ زمن أورفيوس،
لم يثابر الإنسان ـ بوصفه فنانًا أو شاعرًاـ على تناول عدد محدود من الموضوعات كما تناول الحب.
فبالنسبة
للشعراء، نعرف جميعًا أنهم لا يكتبون عما يعرفون بل عما يجهلون، ويقومون بذلك
لدوافع يجهلونها كذلك، لكنهم يودون للغاية أن يسبروا أغوارها. وهناك دوافع لقيامهم
بهذا، لكنهم مجددًا لا يعرفونها رغم رغبتهم الجارفة في معرفتها بشكل تفصيلي.
ومثل هذا
اللايقين، والمتمثل في سؤال الشاعر المتكرر، ما الحب؟ هو الحدس الأولي الذي يدفعهم
لالتقاط القلم الرصاص أو القلم الجاف أو ريشة الكتابة. ( وتعد أشياء مثل الغضب
والحزن والفقد والمجد والمال .. وغير ذلك، جميعها أشياء ثانوية.)
وإذا لم يكن
الأمر كذلك، لن تكون هناك قصائد أو روايات أو مسرحيات، فقط سنجد موضوعات واقعية
جافة.
ويبدو أن هناك
بعض الغموض يكتنه الحب، شيئًا ما لا نفهمه بوضوح ولا يسعنا إلا أن نفسره بشكل غير
كافٍ. ولكن الشيء نفسه صحيح بالنسبة للانفجار الكبير، أو للتساؤل بشأن ما سيكون
عليه الطقس خلال الأسبوعين القادمين.
ورغم ذلك، تظل
نظرية الانفجار الكبير ونظام الأرصاد، رغم كونها من مصادر الإلهام للكتاب وقرائهم،
أقل كثيرًا من كل ما يتعلق بالحب.
وهكذا يصح القول بوجود
شيء ما أو أكثر يتعلق بالحب ويتجاوز مجرد
الطبيعة الغامضة.
وبشكل واضح، يزعم
البشر أن الحب شيء حيوي ومهم للغاية ويؤثر في حياتهم، لدرجة أن المتخصص في فيزياء
الفلك يبدي اهتمامًا ضئيلًا للغاية بأصل نشأة الكون وذلك عندما يكون في حالة
رومانسية، ناهيك عما يتعلق بالطقس.
على كلٍ، ألا
يمكن أن نقول الشيء نفسه عن التنفس، والأكل والشرب والهضم والإخراج.
لماذا، هكذا كنت
أتساءل دهشًا وأنا طفل، لا تذهب الشخصيات الروائية للحمام قط؟ لا يذهب أحد للحمام
في القصص الخيالية كذلك، أو في الأوبرا والمسرح وأفلام السينما والفنون البصرية.
ومن بين أكثر
الأشياء أهمية وأحيانًا إلحاحًا، وحقيقةً من أكثر الأشياء ضرورةً في الأنشطة
الإنسانية، لا يتم تصوير العلاقات الحميمة في الفن، وبدلًا عن ذلك يتم تحويلها
مرةً بعد أخرى، وإلى ما لا نهاية وبتنويعات متعددة، إلى مباهج وأحزان، كما لو كان
تحضيرات أولية، وغير ذلك من أوجه الحب، حسبما ظننت وأنا طفل، والتي بوسعنا أن نقوم
بتركيبها بإتقان.
لماذا ليس هناك
احتفاء بالإخراج في التاريخ الإنساني، رغم أن الهالة متمركزة في الأعضاء الأنثوية
والذكرية.
وقد تكون الفكرة
طفولية بعض الشيء، لكنها ليست مغرقة في الغرابة.
ففي حوارية
أفلاطون المعروفة باسم "المأدبة "، يرى الطبيب إريكسيماكوس أن إيروس
مشغول بملء فراغ الجسد بشكل ليس أقل أهمية من العمل على جذب روحيين بشريين.
لكن أريكسيماكوس،
وهو المتحدث الأكثر منطقية بين المخمورين السبعة الذين ناقشوا طبيعة الحب، رأى
بوصفه عالمًا طبيعيًا، الحب مجرد مبدأ توافق رئيس، نوع من الاستقرار الفيزيقي؛ جالب النظام للعالم في كل المناطق المتخيلة، من
الزراعة إلى إيقاف موجات المد والفيضانات، ومن الموسيقى إلى نوبات الفواق.
واليوم فإن رجلًا
مثل أريكسيماكوس غالبًا ما كان سيقوم بتعريف الحب بوصفه ظاهرة ضمن عددًا لا
يُحصى من ظواهر عمل الإنزيمات والهرمونات والأحماض الأمينية.
ويبدو لنا ذلك
التعريف مبتذلًا؛ فهو ليس تعريفًا تنويريًا وليس كاشفًا كفاية كذلك. ويختلف الأمر من التعريف للتطبيق. فعلى النقيض،
فغرض التعريف هو حصر الموضوع وتحديده بمنأى عما يحيط به من عموميات.
فإذا ما أردنا
مناقشة الحب، والذي يعد رغم كل شيء بمثابة شيء خاص للغاية، فليس من المفيد أن يقوم
شخص ما بتفسيره على أنه يُمثل مبدأ رئيسًا كونيًا يتحكم في موجات المد والنظام
الهضمي سواء بسواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق